الشباب في جنح الليل؛ فلكم كان بمكة من فجور ما أبعد الرسول في صباه عن أن تحدثه نفسه بشيء منه، وما أبعد الفرق بين عبث الشباب ولهوه وبين السمر البريء الذي يسمر به الفتيان. ولقد وصف المؤلف في عرض حديثه حياة الجاهلية وعلاقة الرجل بالمرأة فيها، ونرى أنه في حكمه على تلك الحياة كان دائما يميل إلى أن يتخذ من الجزئيات أحكاماً كلية، ولم يكن في هذا مقتصرا على تعميمنوع واحد من الأحكام، بل كان أحيانا يعمم فضيلة لم تكن عامة، وأحياناً يعمم رذيلة لم تكن عامة. فقال مثلاً في موضع: أن العرب كانوا قبل الإسلام تجتمع فيهم (خلال الكرم والشجاعة والنجدة وحماية الجار والعفو عند المقدرة، وما إلى ذلك من خلال تقوى في النفس كلما قاربت حياة البادية الخ).
وهذه الخلال وإن كانت مثلاً عليا عند العرب لا يمكن أن يقال إنها كانت خلالاً عامة للعرب. وقال في موضع أخر:(إن صلات الرجل والمرأة في هذه الجماعة العربية لم تكن تعدو صلات الذكورة والأنوثة) وقال في موضع ثالث (وبلغ من أمر هذه الصلة - أي صلة الإباحة بين المرأة بالرجل - أن لم تأب هند زوج أبي سفيان أن تقول في أشد مواقف الجد والشدة وهي تحث قريشا حين الحرب يوم أحد:
(إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق) الخ
وقال بعد ذلك:(ثم إن المرأة كانت إذا ولدت، ولم يعرف لمولودها أب، لم تأب أن تذر من لامسها من الرجال الخ).
وهذه القطع كلها فيها تعميم لا تبرره الوقائع، يدرك ذلك كل من ألم بتاريخ العرب، ولا يتسع المجال هنا لنقض مثل هذه العبارات العامة، وإنا نجتزئ بذكر كلمة صغيرة قالتها هند عندما جاءت لتسلم عند الفتح إذ قال لها النبي يعلمها قواعد الدين:(وألا تزني) فقالت (وهل تزني الحرة).
على أن المؤلف وهو يصف أحوال الجاهلية قد نسي فزاد التعميم حتى جعله يتناول عهد عمر بن أبي ربيعة، واستدل على ذلك بما يمكن أن نقرأ في شعره من دلائل علاقات المرأة بالرجل
فالحق أننا إذا خرجنا من الوقائع ومنطقها. ومن ذكر السيرة ومواقفها لم نجد في وصف الحالات الاجتماعية ما نستطيع الإعجاب به. فإن الدكتور قد درس السيرة، وأسبل المنطق