قوله عند ذكر الأوس والخزرج إن الخزرج كانت على وشك أن تختار أحد زعمائها ملكاً وهو (عبد الله بن محمد)، يقصد به عبد الله بن أُبي.
ومن هذا القبيل قوله في فارس قبيل الإسلام (على أن فارس رغم انصراف شيرويه إلى مسراته كانت ما تزال في قمة مجدها). والحق لقد كانت إنما تتعلل بماض مجدها، على حين كانت نهب الفتن ومعترك الأطماع وميدان الخطط الحربية التي تدبرها جارتها الدولة الرومانية.
ولا يفوتنا أن ننبه إلى شيء من التجوز في سياق القول قد يؤدي إلى شيء من سوء الفهم، نعني ما جاء في وصف شباب الرسول وما مالت نفسه من لهو الشباب، فقد أورد المؤلف الخبر عن الرسول إذا كان صبياً تحدثه نفسه أن يلهو كما يلهو الشباب، فأفضى إلى زميله ذات مساء أنه يود أن يهبط إلى مكة يلهو ويعبث عبث الشباب في جنح الليل، وطلب لذلك إليه أن يقوم على حراسة أغنامه إلى آخر ما قال:
وذكر القصة على هذا النحو مخالف لما هو وارد في السير، لأنه قد يلقي في ذهن القارئ الخالي الذهن أن الرسول المعصوم قد كان في نفسه في شبابه ذلك الميل المضطرم إلى العبث واللهو. فليس في الأمر أكثر من أن الرسول عليه الصلاة والسلام طلب إلى زميله أن يحرس غنمه حتى ينزل إلى مكة ليسمر فيها كما يسمر الفتيان، فلما بلغ أعلى مكة سمع صوت غناء ومزامير، فسأل عنها فقيل له عرس فلان وفلانة، فعرج على العرس يلتمس السمر، ولكنه لم ينشط إلى ذلك الطرب، بل ضرب الله على أذنه فنام، وبذلك حفظه الله من أن يرد أقل موارد اللهو، إذ لقد كان قلبه منصرفاً منذ نشأ إلى الجليل وإلى الجد. ولا يخفى ما في إيراد القصة على الصورة الثانية من فرق عما في التصوير السالف. فالرسول عليه الصلاة والسلام منذ طفولته عظيم النفس لا يميل إلا إلى الوقار والجد. ولقد كان جده عبد المطلب يراه وهو صبي يجلس على البساط الذي يفرش له بجوار الكعبة، لا يجرؤ أحد على أن يقترب من كبير قريش إلا ذلك الصبي الصغير، فكان عبد المطلب يقول عنه في كثير من الإعجاب:(إنه يأنس ملكاً) ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في وصف حاله العامة: (لست من ددٍ ولا ددٌ مني) أي أنه كان لا يميل بطبعه إلى اللهو فلقد تنزه مقام الرسول عن أن تسول له نفسه الهبوط إلى مكة ليصيب من لهوها ويعبث فيها عبث