ليس في الإمكان اليوم أن نؤكد أن (بيجو) استطاع أن يمنع دخول هذه العصي إلى سكره المختمر، فهذا ليس بالأمر اليسير، ولكن (بستور لم يحفل بذلك، فكل الذي احتفل له كشف الحقيقة الآتية: (أن التخمر مرجعه الحق إلى أحياء تدق عن النظر)
وبكل سذاجة أخبر كل من لقى أن كشفه هذا كشف عجيب. كان فيه شيء من بساطة الطفولة فلم يحس بالحاجة في هذا إلى التواضع والتخاشع. ومن هذا الوقت ملأت تلك الخمائر الصغيرة دنياه. أكل وشرب ونام وأحتلم وأحب. وأتى كل هذا ولم يستغرق في شيء منه. وأتى كل هذا وخمائره إلى جانبه لا تفارقه. إنها كانت روحه التي ينبض بها
وكان يشتغل وحده، لا معين له إلا نفسه، فلم يكن له حتى خادم واحد يغسل له قواريره. وكأنى بك تتساءل فكيف إذن وجد من يومه الفراغ لاحتواء هذه الأحداث الكثيرة المتزاحمة؟ والجواب أن هذا رجع بعضه إلى نشاطه الجم، ورجعت بقيته إلى مدام (بستور). قال (رو)(إن مدام بستور أحبته حبا كادت به تفقه أبحاثه). كانت الزوجة الطيبة تخلص من خدمة أطفالها ووضعهم في الفراش، وعندئذ قد تسهر وحيدة تنتظر انتهاءه من عمله لتسوقه إلى النوم، أو كانت تجلس بجانب زوجها في اعتدال على كرسي ليس بالمريح إلى نضد صغير تكتب ما يملى من مقالات علمية طويلة، أو كانت تتركه يكب على قواريره ويفكر في أنابيبه وتظل في حجرتها تبيض ما كتب من ملاحظات كنبش الدجاج في خط واضح جميل. كان (بستور) روحها، وكان روح (بستور) عمله، فأخذت هي تذوب في روح بستور - في عمله - حتى أمحت فيه