ملك الروم، وربما يعيبونهما بما يسمونه التضمين الذي عابا به بيتي النابغة الذبياني:
وهُمْ وردوا الجِفارَ على تَمِيم ... وهم أصحاب يوم عُكاظَ إنِّي
شهدتُ لهم مَوَاطِنَ صادقات ... شَهِدْنَ لهم بحسن الظن مني
والتضمين عندهم هو تعليق قافية بيت بما بعده بحيث لا يتم الكلام إلا به، وهذا بأن يكون جواب شرط أو خبراً أو نحوهما لا نعتا أو نحوه من التوابع والفضلات، فلا يرضيهم إلا أن يكون لكل بيت من القصيدة وحدة مستقلة عن البيت الذي قبله، والبيت الذي بعده، ولا يكفيهم أن تكون القصيدة كلها وحدة يصح أن تتصل أبياتها بمثل هذا التضمين الذي يعدونه من عيوب القافية، ويصح ألا تتصل به إذا اتصلت بأمر آخر غيره، وربما يكون اتصال أبياتها بمثل هذا خيرا من تقاطعها وتباعدها، والاكتفاء في الربط بينهما إذا عني به بمثل قولهم (دع ذا أوعد عن ذا)
وقال أبو الفرج: أخبرني عيسى بن الحسين الوراق، وعمي الحسن بن محمد وحبيب نصر المهلبي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: مر عابد براهب في صومعة فقال له: عظني، فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم قريب العهد بكم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله؟ قلت: نعم، قال: فاتعظ ببيت من شاعركم أبي العتاهية حين يقول:
تجرد من الدنيا فإنك إنما ... وقعت إلى الدنيا وأنت مجرد
وكلا هذا وذاك يثبت لنا من أبي العتاهية شاعرا عالميا نباهي به من يباهينا بشعرائه العالميين في القديم والحديث، على قلة هذا الصنف من الشعراء عندنا، وندرة الشعر العالمي في شعرنا، ويهمنا الآن أن ندرس العوامل التي كان لها أثرها في هذا الأمر إلى ظهور شاعرنا أبي العتاهية، لنعرف كيف ظهر في الشعر العربي بهذا المظهر، ونعرف حال العصر الذي نشأ فيه، وكيف كان أثره في شعره
يجري مؤرخو الآداب العربية على أن الصناعة البديعية لم تظهر في الشعر العربي، ولم يكلف بها شعراء العرب إلا في العصر العباسي، بعد ظهور أبي تمام وأضرابه من الشعراء الذين حذوا في ذلك حذوه، واستنوا فيه سنته، ثم زادوا عليه فيه حتى جعلوا من الشعر صناعة لفظية، لا تنطوي على معنى جليل، أو غرض نبيل، وإنما هي ألفاظ جوفاء لا