شاعت حمياها فيه، فأطربت، وأرقصت، كأنها عصرت من حديث الفتاة!
ثم جعلت تتردد عليها؛ وما تكاد الفتاة تفرغ من إحدى قصصها العجيبة حتى تأخذ في أعجب منها وأغرب، وهي بين الآونة والأخرى ما تنى تنمق حديثها بالنكات البارعة، والملح الرائعة، مرسلة المثل في مقامهن والحكمة في موضعها، في غير كلفة ولا عناء. ثم هي كانت رقيقة دقيقة، لا تمل السامع ولا ترهق الناظر. وكانت تقبل على سمارها وكأنها تختص كلا منهم بقلبها، وكأنما تلقي إلى كل منهم بقرارة نفسها، حتى ليحسبها كل له وحده، بما يحسبه تؤثره به من عطف، وتغمره من ود، وتزجي إليه من محبة. . .
وكانت حيلة صائبة من زيوس، شغل بها حيرا طويلا، ليفرغ هو إلى يو. . . فيا للآلهة!!
ولكنها شعرت من زوجها لفحة الصد، وأحست فيه انقباضا وجفوة، فوقر في نفسها أن لا بد من أمر، وأن هناك سرا إي سر؛ فآلت لتكشفن ما تغفلها فيه
وبثت عيونها، وأرسلت أرصادها، حتى استوثقت مما كان بينه وبين يو، وحتى أدركت أنه قصد إلى إلهائها بهذه القصاصة الخبيثة ليفرغ هو إلى لباناته وأوطاره!
ولا تدري ما ذنب الفتاة التي ملأت أذني حيرا سحرا، ونفثت فيهما موسيقى وألحانا؟ لقد ظلمتها زوجة الإله الأكبر، التي تحمل بالباطل لقب حامية النساء وحافظة الأجنة، حين أقسمت لتسلبنها الطلاقة والذلاقة، ثم لتسلطن على لسانها العي والحصر يشقيانها ويعذبانها!
لقد كان كل ما اتهمت الفتاة به أنها كانت سببا في تمادي زوجها في غي حبه، وإبعاده في ضلالة هواه؛ فنفثت في عقد سحرها، ثم قصدت إلى الفتاة المسكينة فبهرتها، وأرسلت عليها شواظا من غضبها، وقذفتها من رقاها المهلكة، لم تستطع بعدها أن تلجلج لسانها بكلمة واحدة تفرج بها عما في نفسها. . .
وقهقهت حيرا حين حاولت الفتاة أن تتكلم فلم تستطع؛ ثم شاءت الخبيثة أن تظهر آية أخرى من آيات غدرها، فقالت، بعد أن نفثت ثانية:(أنا أسميك إيخو؛ وأمن عليك فأطلق لسانك باللفظة المفردة ترسلينها في ذيل كل كلام تسمعين. . . اللفظة الأخيرة فحسب يا إيخو. . .)
فرددت الفتاة المسكينة:(إيخو!!)
أما يو فقد نفذت إليها حيرا وصبت عليها جام سحرها ما تحولت به إلى بقرة فاقع لونها. .