تسوء الناظرين. ولهذا حديث طويل مشج ندعه الآن، لنرى ما كان من أمر إيخو. .
دهشت الفتاة لبيانها أين ذهب، ولصوتها الجميل أين ولى، وللرخامة الفضية التي كانت تترقق فن فمها الشتيت كيف ضاعت، ولهذا السحر الدنيء كيف قضى على أولئك جميعا؟!
لقد بكر كثيرا، وتوسلت الإلهة، ولكن. . . أين الإلهة؟ لقد تصاموا جميعا، لأن حيرا هي القاضية، ولأنهم يشفقو أن تفسد أسباب السماء كما أفسدت الأرض على عرائس البحر!
وأطلقت ساقيها للريح، فيممت شطر غابة ذات ماء وذات أفياء، ثم إنها اتخذت لها مأوى في أصل سنديانة ضخمة الجذع، معروشة الفروع، وارفة الأفنان، وأقامت ثمة تجير أحزانها وتسعر أشجانها، وتقابل بين ماضيها السعيد وحاضرها الشقي، وتسكب فيما بين هذا وذاك دموعا ساخنات وعبرات غاليات!
وبينما هي سادرة في كهفها، مستغرقة فيما آل إليه أمرها، إذا بصحب يافع من الشباب اليانع يمرون ببابها، من دون أن يروها، وهم يتحدثون أحاديث الصبى، ويتسامرون سمر الفتوة، ناعمين بأشهى مناعم الحياة
وأطلت من كناسها، فرأت الغلام الإغريقي المشهور، (نركيسوس) الذي دله الإلهة بجماله، وتام عذارى أثينا بنضارته وإشراقه. رأته يتخلف عن أصاحبه، مأخوذ بجمال نرجسة حلوة اقتطفها من غصنها المياس وفنها المياد. ثم وقف يحدق فيها بعينيه المعسولتين، اللتين لونتهما شمس الجنوب بهذه الصبغة الساحرة، وكمنت ملأها يعاسيب الفتنة، تنتثر منهما في دنيا القلوب!
والسبيل إلى الغاب ملتوية متداخلة. . . تيه يضل فيه العابر، ويباب أخضر لا يهتدي فيه السائر؛ هنا منعرج لا يصل منه الإنسان إلى أمن، وهناك منحنى لا ينتهي إلى السلام. ولقد مضى الدليل مع الصحاب، ولبث تركيسوس وحده، يضرب أخماسا لأسداس
ولم تستطع إيخو حين أبصرت به أن تفلت من هذا الشرك المنتشر حوله، تعلق بخيوطه السحرية القلوب والألباب. . . فأحبته بكل قلبها، وأرسلت في نظراتها إليه نفسها تتمرغ تحت قدميه، وتهمهم بين قدميه، كأنها خلقت له. . . لا لها!