ولكن كيف السبيل إلى التعبير عن هذا الهوى الملح والحب المخامر، ولسانها في عقال إلا من المقطع الأخير، ينطلق في إثر الحديث، أو اللفظة المفردة تردفها بصياح كل صائح، وهتاف كل هاتف؟!
وراحت تقتفي أثره، من غير أن تشعر هي، ودون أن يشعر هو! وتقص خطاه وهي لا تعي ما تفعل، وهو لا يدري كذلك؛ فكان دبيبها كدبيب القطا، أو كوثب الضفادع. على أن حركة غير مقصودة أتت بها إيخو جعلته يعتقد أن أحدا من سكان الغابة يتبعه، فصاح قائلا:
(من؟. . .)
فرددت المسكينة نداءه: (من؟. . .)
فقال: (هل من أحد هنا. . .؟)
وأسل هذا السؤال في رعب خفيف، فرددت إيخو اللفظة الأخيرة: (هنا. . .)
فبهت نركيسوس، وقال، وقد خال المتكلم امرأة:
(هلمي يا فتاة. . . هلمي. . .)
فرددت إيخو اللفظة الأخيرة. . . (هلمي. . .)
فزادت حيرته، وتضاعف خباله. . وقال:
(لم لا تأتين إلي، وليس هنا أحد يرى؟ ولا إنسان يشهد؟)
فثار كامن الهوى في نفس إيخو، وملأت اللفظة الأخيرة: (يشهد؟) بكل ما تركت لها حيرا في قرارة لسانها من رنين فضي، وجرس جميل. . .)
وعاد نركيسوس يقول: (يا فتاة! ليت شعري ما يحجزك؟ أين أنت إن كنت هكذا تستحين؟ تعالي)
وكأن إيخو أدركت أن الفرصة سانحة للقاء هذا الحبيب الطارئ، فبرزت من مكمنها من غير هيبة ولا وجل، وقصدت إليه، تعرض حبها ولظى جواها عليه؛ ولما لم يكن في مكنتها أن تخاطبه، لتكشف له عما تضمر من هيام به، ومحبة له، بدا لها أن تثب إلى حيث هو فتعانقه، وتضم صدره إلى صدرها، ليبث أحدهما إلى الآخر
ولم تكد تفعل حتى جهد نركيسوس في تخليص نفسه منها، ثم انطلق في الغابة لا يلوي على شيء، كالرئم المروع والظليم المفزع. . .!!