للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا كان له ولقلبي حديث! فإن رأيته حزيناً مثلك تقطعت له من إشفاق ورحمة، وطالعني فتاي في مثل همه وحزنه وانكساره؛ فيعود قلبي كالعين التي غشاها الدمع، تحمل أثر الحزن ومعناه وسره، فبثني ما تجد يا بني، فلعل لي سبباً إلى كشف ضرك أو إسعافك بحاجتك؛ ولعلك تكون قد حزنت من أمر قريب المتناول هين المحاولة، لم يجعله عندك كبيراً أنه كبير، ولكن انك أنت صغير

قال الفتى: مهلاً يا عم، فإن ما نزل بنا مما تنقطع عنده الحيلة ولا تقاد فيه الوسائل، ولا علاج منه بالموت يأخذنا ويأخذه

قلت: يا بني، هذه كلمة ما احسب أحداً يقولها إلا من أخذ للقتل بجنايته ولم يعف أهل الدم، فهل جنيت أو جنى أبوك على أحد؟

قال: إن الأمر قريب من قريب، فإني تركت أبي الساعة مجمعاً على إزهاق نفسه، وقد اغلق عليه الدار واستوثق من الباب!

قال المسيب: فكأنما لدغتني حية بهذه الكلمة، وأكبرت أن يكون رجل مسلم يقتل نفسه؛ فتناهضت، ولكن الغلام أمسك بي وقال: إنه لا يزال حياً وسيقتل نفسه متى اظلم الليل وهدأت الرجل

قلت: الحمد لله، إن في النور عقلاً، ولكن ما الذي صار به إلى ما قلت، وكيف تركته لقدره وجئت؟

قال الفتى: إنه قال لي: يا ولدي ليس لك أب بعدي، فإن أردت اللحاق بي فارجع مع الليل لنسلم أنفسنا، وان آثرت الحياة فارجع مع الصبح لتسلمني إلى غاسلي!

قلت: أما من أنت إلا يكون أبوك قد أخرجك عنه لان عينك تمسك يده وترده عما يهم به، حتى إذا خلا وجهه منك ازهق نفسه؟

قال: لم أدعه حتى اقسم أن يحيا إلى الليل، وحتى أقسمت أن ارجع لأموت معه، فإن لم تمسكه يمينه أمسكه انتظاري، وقد فرغت الحياة منا فلم يبق إلا أن نفرغ منها؛ ومن كان فيما كنا فيه ثم انحدر إلى ما انحدرنا إليه، لم ير الناس من نفسه ضعة ولا استكانة؛ وإنما خرجت لأسأل هذا الإمام (الشعبي) وجهاً من الرأي فيمن يقتل نفسه إذا ضاقت عليه الدنيا، ونزلت به النازلات، وتعذر القوت، واشتد الضر، وتدلت به المسكنة إلى حضيضها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>