بي حيث شئت!) وإذا رمى بك فرجعت مثخناً بالجراح ونالك البتر والتشويه - أتراها أوصافاً لمصائبك، أم ثناء على شجاعتك؟
ثم قال: إذا لم يكن الإيمان بالله اطمئناناً في النفس على زلازلها وكوارثها - لم يكن إيماناً، بل هو دعوى بالفكر أو باللسان لا يعدوهما، كدعوى الجبان أنه بطل، حتى إذا فجأه الروع أحدث في ثيابه من الخوف. . .! ومن ثم كان قتل المؤمن نفسه لبلاء أو مرض أو غيرهما كفراً بالله وتكذيباً لإيمانه، وكان عمله هذا صورة أخرى من طيش الجبان الذي احدث في ثيابه!
والإيمان الصحيح هو بشاشة الروح، وإعطاء الله الرضى من القلب، ثقة بوعده ورجاة لما عنده، ومن هذين يكون الاطمئنان. وبالبشاشة والرضى والثقة والرجاء، يصبح الإيمان عقلاً ثانياً مع العقل. فإذا ابتلى المؤمن بما يذهب معه الصبر ويطيش له العقل، وصار من أمره في مثل الجنون - برز في هذه الحالة عقله الروحاني وتولى سياسة جسمه حتى يفيق العقل الأول. ويجيء الخوف من عذاب الله ونقمته في الآخرة، فيغمر به خوف النفس من الفقر أو المرض أو غيرهما، فيقتل أقواهما الأضعف، ويخرج الأعز منهما الأذل
فالاطمئنان بالإيمان هو قتل الخوف الدنيوي بالتسليم والرضى، أو تحويله عن معناها بجعل البلاء ثواباً وحسنات، أو تجريده من أوهامه باعتبار الحياة سائرةً بكل ما فيها إلى الموت، وهو بهذا عقل روحاني له شأن عظيم في تصريف الدنيا، يترك النفس راضية مرضية، تقول لمصائبها وهي مطمئنة: نعم، وتقول لشهواتها وهي مطمئنة: لا وما الإنسان في هذا الكون، وما خيره وشره، وما سخطه ورضاه؟ إن كل ذلك إلا كما ترى قبضةً من التراب تتكبر وقد نسيت أنه سيأتي من يكنسها. . . .!
قال الشيخ: وانظر، أما تبتلى الشجرة الخضراء في بعض أوقاتها بمثل ما يبتلى به الإنسان، غير أن لها عقلاً روحانياً مستقراً في داخلها يمسك الحياة عليها ويتربص حالا غير الحال؛ ومهما يكن من أمر ظاهرها وبلائه فالسعادة كلها في داخلها، ولها دائماً ربيع على قدرها حتى في قر الشتاء
فالعقل الروحاني الآتي من الإيمان، لا عمل له إلا أن ينشئ للنفس غريزة متصرفةً في كل غرائزها، تكمل شيئاً وتنقص من شيء، وتوجه إلى ناحية وتصرف عن ناحية؛ وبهذه