القارئ - هذه قصيدة قديسة قد فرعت من تلاوتها منذ حين. ما أصدقها وما أنور معانيها! إنها الحقيقة بإطارها وإشراقها! لا، إنها قطعة من حياتي! لا لا، إنها مصدر حياتي! ويح نفسي كم أحب أن أعلن هذا الشاعر. . .
المرأة - حذار حين تلقاه أَلاَّ تهمس في مسمعيه ما تريده، وحذار أن يجمد خاطرك ويحتبس لسانك وتنكمش طبيعتك! إنما الشاعر خطيب لسن قد وقف إلى الراديو يرسل معانيه الطلقة كأشعة رفَّافة تنطلق في الفضاء وتتوزع على الأرض، ما يرى جمهوراً صاغياً مشجعاً ولا خيالاً لجمهور، ولكن حياة صامتة هادئة تأخذ السبل وتملأ العيون! أرأيت إلى الحياة الصامتة الهادئة كيف تكون جافة ملولة إذا لم يتخللها الفينة بعد الفينة صراخ النقد أو هتاف الاستحسان! لقد يطل من كوة الفضاء صدى جميل تبرق له أسارير الشاعر، وينطلق بيانه، وتخصب عبقريته، ويسمو إنتاجه، ثم يعلم أن معانيه التي أرسلها شعاعاً قد لامست حياً يسعى، وحسب الفنان هذا من غاية وراحة!!
القارئ - أنا متصل يا عزيزتي اتصالاً وثيقاً بكبار الكتاب وسادة الفن، أما (ع) في الشعراء فقد تلابسينه اليوم واليومين وتجلسين إليه طويلاً، وتتحدثين إليه ما شئت أن تتحدثي، فما يبرح في حضرتك جامداً بكئ اللسان، سخيفاً إذا ارتأى، مضحكا ًإذا أشار، ينشر عليك اضطراباً من رأيه ودمامة من وجهه ووساخة من ملبسه! ولكن ما يكاد يرجع إلى نفسه ويغلق أبواب غرفته، ويستحي شيطان شعره حتى ينقلب مبيناً محدثاً حلواً رائعاً في رأي البصر ورأي البصيرة. لشدّ ما أسكرتني أشعاره وهزتني موسيقاه! فنصيحتي إليك ألا تقربي عظماء الرجال، أو تدخلي بيوتهم وتعيشي في ظلهم، ولكن اعشقيهم إن شئت عن بعد، وكوني معهم على غير اتصال!
المرأة - دع (عيناً) هذا فما أحب أن نتحدث فيمن غبر من الأحياء. إنما الأموات خيوط عريضة قوية تنسج مادة الماضي وتقوّم أحداث التاريخ، وتؤلف وحدة الأمة! هذا ابن أبي ربيعة الكبير كان يدلف إلى الكواعب الحسان في فحمة الليل، وغفوة الناس، وغفلة الحراس، فيقضي لبانته منهن كما شاء الهوى والشباب، ثم يلاقي ناقته في العراء، ويغيب في مطاوي الزمن! ومثله في اجتلاء الجمال جوت وبودلير ولامرتين يسبحون جاهدين في بحر الوجود، لا يستشرفون إلى شاطئ من شطآنه، ولا تريحهم موجة من أمواجه. . .