والسكون، وإذا الحركة عنده من خصائص الكينونة الواعية الفانية، والسكون من خصائص العدم الخالد غير الواعي، وهو يعارض زينون الألياتي في إنكاره للحركة ويتغنى في آخر القصيدة بانتصار الحركة على قصرها وفنائها، فهو في ذلك لم يخرج عن يونانيته المكتسبة. ولم يفهم في رأيي روح مصر والهند، ولم يشرف على ذلك العالم الخالد غير الواعي، كان دون هذا الإشراف والاتصال والتجرد التام من كل عقل آدمي أو منطق بشري، هذه هي الصعوبة في فهم مصر والهند، وهذا ما جعل الفن المصري سراً مغلقاً حتى أوائل هذا القرن، وما صرف الناس إلى دراسة اليونان وحدها، فهي واضحة المعنى يسيرة المنال. لأنها لزمت شاطئ الحياة.
حظ الإغريق في كل هذا حظ العرب. العرب أيضاً أمة نشأت في فقر لم تعرفه أمة غيرها، صحراء قفراء، قليل من الماء يثير الحرب والدماء، جهاد وكفاح لا ينقطعان في سبيل العيش والحياة، أمة لاقت الحرمان وجهاً لوجه، وما عرفت طيب الثمار وجري الأنهار ورغد العيش ومعنى اللذة إلا في السير والأخبار، كان حتماً عليها ألا تحس المثل الأعلى في غير الحياة الهنيئة، والجنات الخضراء، والماء الجاري، وألوان النعيم واللذائذ التي لا تنضب ولا تنتهي، أمة بأسرها حلمت بلذة الحياة ولذة الشبع، فأعطاها ربها اللذة ومنحها الشبع. كل تفكير العرب وكل فن العرب في لذة الحس والمادة، لذة سريعة منهومة مختطفة اختطافاً، لأن كل شيْ عند العرب سرعة ونهب واختطاف، عند الإغريق الحركة، أي الحياة، وعند العرب السرعة، أي اللذة، لم تفتح أمة العالم بأسرع من العرب، ومر العرب بحضارات مختلفة فاختطفوا من أطايبها اختطافاً ركضاً على ظهور الجياد، كل شيء قد يحسونه إلا عاطفة الاستقرار. وكيف يعرفون الاستقرار وليس لهم أرض ولا ماضٍ ولا عمران! دولة أنشأتها الظروف ولم تنشئها الأرض، وحيث لا أرض فلا استقرار، وحيث لا أستقرار فلا تأمل، وحيث لا تأمل فلا ميثولوجيا ولا خيال واسع ولا تفكير عميق ولا إحساس بالبناء، لهذا السبب لم تعرف العرب البناء، سواء في العمارة أو الأدب أو النقد، الأسلوب العربي في العمارة من أوهى أساليب العمارة التي عرفها تاريخ الفن، وإذا عاش لليوم فإنما يعيش بالزخرف، فن الزخرف العربي أنقذ العمارة العربية، إن العمارة العربية ـ إلا في مصر ـ ما هي في رأيي سوى زخرف لا بناء، فلا أعمدة هائلة ولا جبهة