للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخذ يرقب قطرات الكحول وهي تسيل من عنق المعوجة. وقضى ماثلا من أسابيع في تكرار تجربته، ثم تكرارها، ليؤكد إن الخمائر لا تني تتكاثر، وأنها لا تني تخرج كحولاً. ونقلها من قبابة إلى قبابة، ومن مرق إلى مرق، فوجدها تتنبت دائماً، وتتزايد دائماً وملا رقاب القبابات دائما برغاء من أكسيد الكربون المتصاعد من التخمر. ووجد الكحول دائما بالقبابات. كان عملاً جد عسير، حدا به إليه زيادة الحرص على صدق نتائجه، وخشية الخدعة فيما يتراءى له أنه الحق

استوثق من خمائره، واصبح أمرها لديه معروفاً مألوفاً، ولكنها لم تزد في عينه على الأيام إلا جدة، ولم تزده الفته إياها إلا إعزازاً لها. كان يرعاها كالأم الرؤوم، يطعمها ويحبها ويعجب بمجهودها الهائل في قلب السكر الكثير إلى كحول. وفوت على نفسه بذلك وجبات الطعام، حتى اعتل مزاجه وفسدت صحته. ذكر أنه جلس إليها ذات مساء في الساعة السابعة - وهي الساعة التي يحرص فيها كل فرنسي محافظ على إجابة دعوة المائدة - وأخذ يتجسس عليها وهي تتقسم فتتزايد، واخذ يحدق فيها، ولزمت عينه المجهر حتى منتصف الساعة العاشرة. وعندئذ، وعندئذ فقط، آمن بأنه رآها تتقسم فعلا، فتتزايد من جراء ذلك. وأجرى تجارب واسعة النطاق، بعيدة الأمد، تجارب امتدت من يونيو إلى سبتمبر، ليرى متى يفرغ صبر هذه الخمائر فتنكص عن تحويل السكر. فلما علم من هذا ما علم صاح يقول: (أعط خمائرك سكراً، تظل تعمل أشهراً ثلاثة أو فوق ذلك عدداً)

وعندئذ انقلب البحاث إلى دعاء. انقلب العالم إلى تاجر بارع يعنى بعرض بضاعته للناس، فيثير إعجابهم ويبعث الحمية فيهم. وذلك في سبيل الدعوة للمكروبات. فالدنيا يجب أن تعلم حقيقة أمرها، والناس يجب أن تنقطع أنفاسهم من الدهشة إذا أتاهم نبؤها - إذا هم أنبئوا أن ملايين الجالونات من خمر فرنسا، وبحار البيرة التي تصنع في ألمانيا، لا يصنعها الرجال كما يحسبون، ولكن جنود مجندة تعمل ليل نهار من المخلوقات لا تبلغ عشرات البلايين منها حجم طفل صغير من بني الإنسان والق عن أبحاثه محاضرات، وألقى في الناس خطابات.

ورمى في وجه ليبج حججاً تدمغ مزاعمه. ولم تلبث دولة العلم على الشاطئ الأيسر لنهر السين في باريس أن تحركت، فشمله أساتذته الأقدمون بالثناء. وأكاديمية العلوم التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>