الكبر، أو رجل بالغ الصغر، فهذا ينطبق بصفة عامة على الهايات، سواء أكانت ذلك عن الكبير والصغير، أم السريع والبطيء، أم الكدر والصافي، أم الأسود والأبيض، وسواء ضربت أمثلة ناساً أو كلاباً أو أي شيء آخر، فقليلون هم النهايات، أما الكثرة فتتوسط بين النهايات، أو لم تلاحظ هذا فقط؟
قلت - نعم لاحظته
قال - ثم ألست ترى أنه لو كان بين الشرور تنافس، لوجد أن قليلاً جداً منها هو اسبقها في الشر؟
قلت - نعم فذاك ارجح الظن
أجاب: نعم ذاك أرجح الظن، ولست أعني إن مثل الأحاديث في هذا مثل الناس - وأراك ها هنا قد حملتني أن أقول أكثر مما اعتزمت أن أقول، ولكن وجه المقارنة هو أنه إذا ما آمن رجل ساذج، لا يحذق علوم الكلام، بصحة دليل، وخيل إليه فيما أنه باطل، سواء أكان باطلاً حقاً أم لم يكن، ثم تكرر هذا في غيره وغيره، فلا تبقى للرجل عقيدة واحدة، وينتهي المر كما تعلم بكبار المجادلين إلى الظن بأنهم قد باتوا احكم بني الإنسان، لأنهم هم وحدهم الذين أدركوا ما في التدليلات كلها من تزعزع وضعف شامل، لا بل أدركوا ذلك في الأشياء جميعاً، وهي تظل هابطة في مد وجزر لا ينقطعان، كما هي الحال في تيار يوربيوس
قلت: هذا جد صحيح
أجاب: نعم يا فيدون، ولشد ما يبعث على الأسى أيضاً أن يصادف إنسان تدليلاً هنا أو هناك، فيبدو له أول الأمر أنه حق، ثم يتكشف له عن باطل، فبدلاً من أن ينحو باللائمة على نفسه وعلى ما يعوزه من ذكاء، تراه لحنقه آخر الأمر يغتبط شديد الغبطة في إزاحة اللوم عن عاتقة ليلقيه على التدليل بصفة عامة، ويظل بعد ذلك إلى الأبد كارهاَ لاعناَ لكل تدليل، فتفلت منه حقيقة الوجود وعرفانه، لو كان ثمة ما يسمى بالحقيقة أو اليقين أو القدرة على المعرفة إطلاقاً
قلت: نعم، إن ذلك ليبعث على الحزن الشديد
قال: فلنحاول إذن بادئ ذي بدء، أن نسلم في نفوسنا بالفكرة القائلة أنه لا حقيقة ولا عافية