ولا قوة في أي تدليل على الإطلاق، ولنعلن قبل ذلك أن ليس فينا نحن الآن عافية وانه يجب أن نطلق فينا العنصر الإنساني، ونسعى جهدنا في اكتساب العافية - فتكسبها أنت وسائر الناس جميعاً من أجل حياتكم المقبلة كلها، وأما أنا فمن أجل الموت، فلست أحس الساعة إني متخلق الفيلسوف، وما أنا في الرأي إلا مشايع كأفراد السوقة، وليس يعبأ المتشيع، حينما يلج في المخاصمة، بأوجه الصواب من الموضوع، بل يحرص على إقناع سامعيه بأقواله وكفى، وليس بينه وبين في اللحظة الراهنة من فرق إلا هذا ـ بينا هو يحاول إقناع سامعيه بصحة ما يزعم، تراني أحاول إقناع نفسي قبل كل شيء، فإقناع سامعي أمر ثانوي بالنسبة إليّ. ولتنظرن كم عسى أن أفيد بهذا، فلو كان ما أقوله صحيحاً فما اجمل أن أكون مقتنعاً بالحقيقة، وأما إن كان لا شيء بعد الموت، فسأفو على أصدقائي هذا العويل فيما بقي من حياتي من أجل قصير، هذا وسترتفع عني جهالتي، ولهذا فلن يقع مني ضرر. أي سيماس وسبيس، تلك هي الحالة العقلية التي أتناول بها الحوار، وإني اطلب إليكما أن تفكرا في الحقيقة لا في سقراط؛ فإن رأيتما إني أتكلم حقاً فوافقاني وإلا فقاوماني بكل ما وسعكما من جهد، حتى لا أخدعكما جميعاً كما اخدع نفسي، وحتى لا أكون لكما كالنحلة، فادع فيكما حمتي قبل موتي
قال: والآن دعنا نمضي، ولأتأكد منك قبل كل شيء إن ما في ذهني يطابق ما كنت تقوله، فإن كنت مصيباً فيما أتذكر، فقد كان لدى سيماس مخاوف وشكوك أن تكون الروح أسبق إلى الفناء، ما دامت في عبارة عن انسجام، على الرغم من أنها أشد من الجسد ألوهية وصفاء. وقد بدا سيماس من جهة أخرى أنه يسلم بأن الروح أطول من الجسد بقاء، ولكنه قال: عن أحداً لا يستطيع أن يعلم إن كان يمكن للروح بعد أن تكون قد أبلت أجساداً عدة، أن نفني هي نفسها، مخلفة وراءها آخر أجسادها، وأن هذا الموت الذي يجلب الدمار للروح لا للجسد، لأن فعل التخريب لا يفتأ عاملاً في الجسد أبداً. أليست هذه، ياسيماس وسيبيس، هي النقط التي تستوجب منا النظر؟
فوافق كلاهما على إن ذلك تقرير لرأيهما
فمضى سقراط: وهل تنكران ما في الحوار السابق كله من قوة، أم تنكران ما في بعضه فقط؟