حولها يصرفه بحكمه، ومن كان عبد نفسه صرفه بحكمه كل ما حوله
قال الشعبي: وأما المثال الروحي للجماعة الكاملة، فهو في وصف المؤمنين بأنهم (رحماء بينهم) فهذا هذا، ما أحسبه يحتاج إلى بسط وبيان
إن اكثر ما يضيق به الإنسان يكون من قبل من حوله ممن يعايشهم ويتصل بهم لا من قبل نفسه، فإذا قام اجتماع أمة على أنهم (رحماء بينهم) تقررت العظمة النفسية للجميع على السواء؛ ومن كانوا كذلك لم يحقروا الفقير بفقره ولم يعظموا الغني لغناه، وإنما يحقرون ويعظمون لصفات سامية أو حقيرة. وبين هؤلاء يكون الفقير الصابر أعظم قدرا من الغني الشاكر، وأعظام الناس لفضيلة الفقير هو الذي يجعل فقره عند نفسه شيئا ذا قيمة في الإنسانية
ومتى تصححت آراء الجماعة في هذه المعاني المؤلمة للناس بطل المها واستحالت معانيها، وصار لا يبلي معنى من معاني الحياة في إنسان ألا وضع إيمانه معنى جديدا في مكانه، وتصبح الفضيلة وحدها غاية النفس في الجميع؛ وبذلك يصبر الفرد على مصائبه، لا بقوته وحده ولكن بجميع القوى التي حوله. أفلا ترون إن إعجاب الناس بالشجاعة وتعظيمهم صاحبها يضع في ألم السلاح لذة يحسها لحم الشجاع البطل؟
قال المسيب بن رافع: فقام رجل من المجلس. فقال: أيها الشيخ، وإذا فسد الناس وغلظت قلوبهم، وتقطعت بينهم الأسباب، ولم يعودوا (رحماء بينهم)، وشمتوا بالفقير، وتهزءوا بالمبتلى وطرحوه في ألسنتهم كما يطرح الشاعر في لسانه رجلا يهجوه لا يكف عنه - فما عسى أن يصنع المسكين حينئذ وكل شيء يدفعه إلى قتل نفسه؟
وقال الشعبي: ها هنا الرجاء في الله واليوم الأخر، وهو شعور لا يشترى بمال، ولا يلتمس من أحد، ولا يعسر على من أراده؛ والفقير المبتلى وغيرهما إنما يصنع كل منهم مثاله السامي؛ فالصبر على هذا العنت هو صبر على إتمام المثال، وإذا وقع ما يسوؤك أو يحزنك فابحث فيه عن فكرته السامية، فقلما يخلو منها، بل قلما يجيء إلا بها
قال المسيب: فقام أخر فقال: وكيف يصنع أمرؤ آلت به أحوال الدنيا إلى ما يخيفه، أو بلغ الهم مبلغه من قلبه فهم أن يقتل نفسه؟
قال الشعبي: فليجعل الخوف خوفين: أحدهما خوفه عذاب الله خالدا مخلدا فيه أبدا؛ فيذهب