للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأحوال القيروان تجري فيها ظاهرة غير خفية، ليست بمستورة عنهم ولا مطوية؛ يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون؛ ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون؛ صلاة الخميس للدين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون؛ يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون؛ يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون؛ لا يسب أحد من السلف، ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف، والخالف فيهم بما خلف؛ لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى الله ربه ميعاده عنده كتابه، وعليه حسابه؛ ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم؛ لا يستعلي مسلم على مسلم بما أعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما أعتمده، من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا، وبعده قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم تعملون). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة)

ومن الصعب أن نحدد موقف الحاكم إزاء الشؤون الدينية تحديداً واضحاً؛ فقد نسبت إليه في هذا الشأن تصرفات كثيرة متناقضة؛ وقيل أنه حاول أن يعدل بعض الأحكام الدينية الجوهرية كالصلاة والزكاة والصوم، بل قيل أنه شرع في إلغائها، غير أنه ليس ثمة ما يدل على أنه ذهب إلى هذا الحد، على الأقل في الفترة التي نتحدث عنها، وان لم يكن ثمة شك في أنه عدل بعض الأحكام والرسوم تعديلا يجعلها اقرب إلى الصبغة الذهبية. وأما عن عقيدة الحاكم الدينية فمن المجازفة أن يقطع فيها رأي حاسم، ومن المحقق أنها لم تثبت على وتيرة واحدة، وأنها حسبما تدل تصرفاته وأوامره الدينية، كانت تختلف باختلاف فترات حكمه؛ ونستطيع أن نصف الحاكم طورا بعد أخر، بالتعصب الديني والإغراق المذهبي، واليقين والتشكك، والإيمان والإلحاد؛ وسنرى عند الكلام عن الدعوة الفاطمية السرية أن الحاكم، كان في أواخر عصره يذهب إلى ابعد مدى من الغلو والإغراق، فيؤيد الدعوة السرية إلى نسخ أحكام الإسلام، وإلى الدعوة بألوهيته وقيامه. ويعترض ابن خلدون بشدة على القول بكفر الحاكم وإلحاده وإلغائه للصلاة، ويقول أنه زعم لا يقبله ذو عقل، ولو صدر من الحاكم شيء منه لقتل لوقته. بيد أن هذا المنطق لا يتفق مع الأدلة والوثائق التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>