وقد شبه الشاعر - محمداً - بالشراع لما شاع وذاع من أمر غنائه في البلاد، وهو تشبيه يمت بصلة قوية إلى التشبيه بالعلم بمعنى الجبل كقول الخنساء في أخيها صخر - كأنه علم في رأسه نار - وأراد بقوله وراء دجلة - بقصد دجلة. وذلك عند اعتزام المغني السفر إلى العراق
ولما كان محمد عبد الوهاب دائم التغريد بما يؤلف له شوقي بك من قطع الشعر والقصائد، وكانت أكثرية هذه القصائد تعج بلواعج الهوى بحيث تحمل دموع الشاعر الغزيرة من أثر الحب فيه، جعل الشراع جاريا في هذه الدموع، بإنشاد المغني قصائد الشاعر. فكأن شوقي يقول: يا من اعتزم السفر إلى العراق وهو كأنه الشراع في الشهرة، مرتلا قصائدي التي هي كالدموع في الهوى، وهو يجري فيها كالشراع - تجنبتك العوادي - وحفظك الله من كل مكروه
وهذا البيت ولا ريب من انبغ الشعر، وهو ابن العبقرية التي اصبح فيها لشوقي الخلود، وللغة الضاد التيه والفخر
وأما البيت الثاني فقوله:
قف تمهل، وخذ أماناً لقلبي ... من عيون المها وراء السواد
والمخاطب فيه محمد عبد الوهاب أيضا، والسواد هو العراق من قولهم - أرض السواد - ولا يمكن أن يحمل المعنى على أن الظباء كائنة وراء العراق، إذ لا يمكن أن يكون هذا قصد الشاعر، وإلا فسد عليه المعنى، ولأن سائر أبيات القصيدة إنما تبحث عن العراق وملكه وساكنيه، وقد ذهب إلى هذا التفسير الباطل كثير من الشعراء والأدباء، اغترارا بظاهر اللفظ مع أن الواقع خلاف ما يدعون. وزعم قوم أن المراد بالسواد هنا - سواد العيون - وبهذا التفسير يختل معنى البيت ويبقى مهملا لا يشير إلى شيء
وادعى آخرون أن معنى البيت فاسد من اصله، وقالوا في تعليل الفساد أن لفظ البيت يؤدي إلى وصف الظباء خارج العراق، وذكر ذلك لا مكان له في القصيدة، مع أن هذا غير مقصود من الشاعر كما سبق ذكره، وبالنظر لروحية القصيدة ولظروف وضعها ولخواطرها المتسلسلة
وذهب غيرهم إلى حمل البيت على إرادة الحجاب بالسواد، كأن أعين الحساد تستطيع