فيبتسم بلارد ويقول له:(بالضبط. جربها وأخبرني بالذي يكون. وإلى اللقاء!) وتركه وذهب إلى معامله الكيميائية ليتمم فيها دورة يومه
وكان لبستور الآن صبية تغسل له القوارير وكان له أعوان، فأمرهم أن يسرعوا في تجهيز القبابات. وبعد زمن قليل كنت تسمع نفاخات اللهب تصم الأذان. وأقبل بستور على العمل في غير رفق ولا هوادة. فتناول القوارير ووضع بها الأحسية، ثم سحب رقابها ولواها كرقاب الإوز، ثم أغلاها فطرد بخار الماء كل هوائها، فلما بردها رجع هواء الجو فدخل فيها بارداً نقياً
فلما تجهزت القبابات حملها قبابة قبابة إلى محضنه الدافئ وكان تحت حنية السلم الضيقة فلم يصل إليه إلا مكفوءاً على يديه وركبتيه، على صورة يزيدك ضحكاً منها محاولته أن يحتفظ بوقاره فيها. وفي الصباح بكر إلى معمله. وفي لحظة اختفى تحت السلم إلى محضنه. وبعد نصف ساعة كنت تراه خارجاً من هذا الجحر يدب على أربع، وقد برقت عيناه بالسرور من وراء نظارته الندية. وقد حق له السرور، فإن القبابات ظلت جميعها رائقة، ولم يكن بها مكروب وأحد، وظلت على روقائها غداً وبعد غد. لقد نفعت حيلة (بلارد). وقد بطلت نظرية انبعاث الخلائق من ذات نفسها. (تجربتي هذه تجربة في الحق بديعة. وهي تثبت أنك تستطيع أن تترك في الهواء ما شئت من مرق أو حساء، على شريطة أن تغليه، وعلى شريطة أن يدخل الهواء إليه بعد الإغلاء من أنبوبة طويلة ضيقة ملتوية هذا الالتواء)
وعاد (بلادر) وابتسم لما أخذ بستور يصب على رأسه خبر التجربة صبا. قال بلارد:(لقد حسبت أنها تنجح، فإن القبابة عندما تأخذ في البرودة بعد الغلي، يأخذ الهواء يدخل إليها بترابه وهبائه ومكروبه، فتتصيدها جميعاً تلك الأنبوبة الطويلة الرفيعة بما عليها من البلل)
قال بستور:(ولكن كيف تثبت هذا؟)
قال بلارد:(الأمر هين. هات قبابة من هذه القبابات التي بقي حساؤها طاهراً رغم تدفئتها في المحضن أياماً، وأملها حتى يسيل حساؤها إلى الرقبة العوجاء، ثم رد الحساء إلى بطن القبابة حيث كان، ثم أرجعها إلى المحضن، فلن تلبث طويلاً حتى تتعكر بالملايين من المكروبات، هي نسل تلك التي احتبست في عنق القبابة البليل)