وذات يوم دخل عليه الأستاذ (بلارد) وهو في معمله، وكان (بلارد) في مبدأ حياته صيدلانياً، ثم اكتشف عنصر البروم على ذلك النضد البسيط الذي يركب عليه عقاقيره في تلك الحجرة الصغيرة بظاهر صيدليته، فذاع اسمه وكسب مدح العلماء، وتعين من اجل ذلك أستاذاً للكيمياء بباريس. ولم يكن أمالاً طموحاً، فلم يطمع في كشوف الدنيا كلها، فقنع بهذا الكشف الواحد، وهو لعمري نعم النتاج في حياة الفرد الواحد. ولكنه كان يحب أن يتشمم حوله ويتعرف كل ما يجري بجواره من بحوث
دخل (بلارد) الكسول على (بستور) وهو في ربكته فتحدث إليه، وكأني بك تسمعه يقول له:(تقول يا عزيزي إنك مرتبك، وإنك لا تستطيع الجمع بين الحساء المغلي وبين الهواء دون أن تظهر تلك الأحياء في الحساء. إذن فأستمع لي يا صديقي. نحن سوياً نعتقد أن هذه الأحياء لا تنبعث من ذات نفسها في الحساء، بل هي تقع فيه مع ما في الهواء من هباء، أليس كذلك؟)
فيقول بستور:(هذا حق، ولكن. . . .)
فيقاطعه بلارد:(صبراً، صبراً! أترى لو وضعت شيئاً من الحساء في قارورة، ثم أغليته، ثم صيرت فتحة القارورة بحيث تأذن للهواء بالدخول إلى الحساء، ولا تأذن لما فيه من تراب وهباء بالسقوط فيه. . .)
فيقول بستور:(وكيف ذلك)
فيجيب بلارد:(الأمر هين. خذ قارورة من قواريرك المستديرة، وضع الحساء فيها، ثم سيح رقبتها في اللهب ثم مطها حتى تستدق، ثم لين هذه الأنبوبة الدقيقة وأستدر بها متسفلاً، ثم لين طرفها وأستدر به متصاعداً حتى تصبح رقبة القارورة كرقبة الإوزة العراقية وقد غاصت بمنقرها في الماء لتلتقط منه شيئاً - حتى تصبح هكذا). ورسم بلارد شكلها. بلارد الذي نسي اليوم أمره
فيمعن بستور في الفكرة ثم يقول لما يرى حسن الحيلة في هذه التجربة الصغيرة:(بالطبع. بالطبع. الأمر واضح. فذرات التراب التي تحمل المكروب لا تسقط إلى أعلى. هذا ما تقصد إليه؟)