فما زلت حتى أستنصر الدين أهله ... فعاذوا عليك بالسيوف الصوارم
أقول لبسام عليه جلاله ... غدا أرحياً عاشقاً للمكارم
إذا بلغ الرأي المشورة فأستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم
وما خير كف امسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم
وخل الهوينا للضعيف ولاتكن ... نؤوما فإن الحر ليس بنائم
وقد صرف بشار وأبو نواس شعرهما في العبث والمجون، وهتك الأعراض، والخروج على الدين والآداب، حتى ضج منهما الناس في عصرهما، وساءت في الناس سيرتهما. وأما أوزان الشعر وقوافيه فلم يكن لبشار ولا لأبي نواس أثر يذكر فيها، وأبو العتاهية هو الذي جدد في تلك الناحية أوزاناً ظريفة، واخترع فيها قوافي جديدة، ومضى فيها على نحو لم يسبقه إليه أحد من الأوائل، ولم يكن يدخل في العروض الذي عرف لعهده؛ وقد سئل من بعضهم هل تعرف العروض؟ فقال: أنا أكبر من العروض. وهذا جزاب له قيمته في بيان اعتداد هذا الشاعر بنفسه، وفي الدلالة على أنه كان يذهب في الثورة على القديم مذهباً لم يصل إليه بشار ولا أبو نواس ولا غيرهما من شعراء عصره.
وإنا نسوق له قولًا آخر له دلالته في ذلك أيضاً: روى أنه اجتمع مع سلم الخاسر فأنشده بعض أشعاره ثم قال له: كيف رأيتها؟ قال سلم: لقد جودتها لو لم تكن ألفاظها سوقية، فقال له أبو العتاهية: والله ما يرغبني فيها إلا الذي زهدك فيها.
فإذا قسنا أبا العتاهية إلى بشار وأبي نواس فيما أحدثوه من التجديد في هذه النواحي التي هي أهم نواحي الشعر، وجدناه يربى فيها عليهما، ووجدنا أنه كان موفقاً فيما أحدثه من التجديد فيها كلها، ووجدنا أن بشار وأبا نواس لم يكن لهما تجديد يذكر إلا في الناحية الأولى وحدها، وخرجنا من ذلك كله بأن أبا العتاهية أولى منهما باسم الشاعر المجدد في