والثاني إيطالي والثالث روسي. فكأنه لم يجد بين أبناء وطنه مثله الإنساني الأعلى. لذا كان ذلك داعيا إلى أن يجد رومان رولان عددا ليس بالقليل من النقاد الفرنسيين يتهمونه بانتقاص العبقرية الفرنسية والطعن فيها. والواقع أن رومان رولان كان دائم اللوم لأبناء وطنه على (شدة تأثرهم بالأوهام الخداعة التي تصوغها الخطب الرنانة) وكان يصرح دائما (بكرهه لذلك النوع الجبان من المثل الأعلى الذي يدير العيون عن بؤس الحياة وضعف النفس. إن البطولة الكاذبة جبن ونذالة. فليس هناك إلا نوع واحد من البطولة. تلك هي التي ترى الحياة كما هي وتحبها).
والعجيب أن رومان رولان عندما أراد أن يرسم صورة خيالية تتجمع فيها فضائل أبطاله السابقين لم يجعل بطلها فرنسياً بل ألمانيا. فكتب قصة (جان كرستوف)(١٩٠٤ - ١٩١٢) وبطلها جان كرستوف - موسيقي ألماني (تغلغلت فيه نفس بتهوفن العظيمة. فصلبت أعضاءه ونفسه وبدت كأنما جعلت حجمها ضخما هائلاً. لقد كان يتجه نحو العالم. كان كجبل شامخ تدوي بين أرجائه العواصف، عواصف الحرارة والحماسة، عواصف الهم الدفين، آه! ياله من هم! على أن ذلك لم يؤثر بشيء! كان يحس بنفسه وافر القوة!. . . العذاب! العذاب أيضاً!. . . آه! ما أجمل أن يكون المرء قوياً ما أجمل أن يتعذب المرء عندما يكون قوياً!. . .).
وقصة (جان كرستوف) تقع في عشرة أجزاء، وهي في نظر الناقد أندريه بي أقرب إلى أن تكون ترجمة لشخصية خيالية من أن تكون قصة؛ وهي - كسائر أعمال رومان رولان - تفيض بالضمير الحر والحب النبيل والموسيقى الرائعة
وليس إعجاب رومان رولان ببتهوفن قاصراً على كونه نموذجاً للبطل الذي ينشده مما دفعه لأن يرسم شخصية (جان كرستوف) ماثلة له، بل أيضاً لأنه (إمام الموسيقيين)، و (الموسيقى الآلهية) عند رولان كأبطاله بمثابة (الضوء الذي ينير حياته) ولقد رأينا كيف كان له الفضل في إدخال مادة (تاريخ الموسيقى) في السوربون حين عين أستاذاً فيها. كما أنه كتب فضلا عن دراسته الخالدة عن بتهوفن عدة دراسات أخرى في الموسيقى. منها ` (١٩٠٨) و ` ` (١٩٠٨) و (١٩١٥) ذلك أن رومان رولان يرى - ككاتب أخلاقي - أن الموسيقى خير مهذب للنفوس المريضة، وأعظم حافز للعواطف الخامدة، كما أن