فيها التجوز أو الكناية إلا بالبحث والرجوع بالكلمات إلى أقدم أصولها المعروفة. وذلك مثل أسبل المطر، فلان زميل فلان. وأرهقه العمل، وراض نفسه على الأمر، ودهماء الناس، وأمثال هذا مما شاع استعماله حتى ساوى مجازه الحقيقة أو غلب عليها فلم يبق المعنى الحقيقي شاهداً بأصل الاستعمال ودالاً على التجوز في غيره، كما يعرف التجوز في قولنا زلّ في رأيه، وزرع المودة في قلبه، وسمع زئير الحرب، ببقاء هذه الألفاظ معروفة ذائعة الاستعمال في معانيها المحسوسة. وحكم هذا المجاز حكم الحقيقة لا تجديد فيه ولا تغيير على الأسلوب الذي يريده الأستاذ أحمد أمين.
٢. وأما المجازات التي يظهر فيها التجوز، ويبين فيها التخيل فبعضها يخترعه الكاتب البليغ الذي يحس في نفسه المقدرة على تصريف الكلام وخلق العبارات. وهذا مأخوذ من عقل الكاتب، أو المتكلم وإحساسه وعلمه كما يسمي الجمل سفينة الصحراء ويسمي الرجل الجريء أسداً وذئباً الخ. وكما يسمى أحدنا الغواصة مثلاً نسر الماء، ومنطاد زبلين حوت الهواء، ويقول عن خبر فظيع جاءه بالتلغراف: هذه إحدى صواعق البرق، ويشبه الرجل العليم بأخبار العالم وأحواله بالراديو الخ. وينبغي ألا ننسى أن علم الإنسان وعقله ليسا مقصورين على البيئة التي يعيش فيها بل من هذه البيئة ومما رأى أو سمع عن بلادٍ غابرة أو حاضرة، وأمم ذاهبة أو قائمة. فقد يسوغ للكاتب المصري أن يستمد مثلاً أو تشبيهاً مما يعرف عن أمم الإسكيمو أو مما عرف عن الأمة المصرية القديمة أو الأمة العربية قبل الإسلام، أو من خرافات اليونان الأقدمين. فإذا قال عن رأي سيئ يظهر بمظاهر مختلفة أنه غول متلونة أو عن فكرة سخيفة في نفس باردة أنها كواحد من همج الإسكيمو يقطن بيتاً من الثلج لم يكن لأحد أن يقول له: أنك لم ترى الغول ولا عاشرت الإسكيمو فينبغي أن يكون بيانك خالياً من التشبيه بهما. وإنما شرط هذا أن يكون مصدر المجاز أو التمثيل معروفاً لا يقف بالقارئ عند غموض أو إغراب.
وضرب من المجازات وما إليها ينشا هذه النشأة ثم يذيع وتتداوله الأجيال حتى يصير مظهراً لبيان الأمة وخيالها لا لخيال كاتب أو متكلم كالذي ورثناه في لغتنا عن بلغاء العربية في الجاهلية والإسلام.
وهذا جدير بالاستعمال، فكل كاتب أو متكلم أن يتوسل به إلى البيان وإن كان مصدره