غريباً غير مألوف، بل ينبغي المحافظة عليه بما يبين عن تاريخ الأمة وحياتها في طور من أطوارها.
فلا عيب أن يقول القائل: أخذه برّمته، وترك حبله على غاربه، وما له خف ولا حافر، ورموا عن قوس واحدة، وأعطى القوس باريها، وألقى عصاه، والقافلة تسير والكلاب تنبح، كالمستجير من الرمضاء بالنار، كمهدي التمر إلى هجر، أعقد من ذنب الضب، أعدى من الشنفري، مرق مروق السهم، أختلط الحابل بالنابل، أهدى من القطى، وهلم جرا.
ولغات الأمم الأخرى حفظت كثيراً من عاداتها وتاريخها ولست أضرب مثلاً باللغة الفارسية أو التركية أو الأردية فهي لغات شرقية لا تصلح حجة في هذا العصر، ولكن أضرب مثلاً من اللغة الإنكليزية والفرنسية: يقال في الإنكليزية لمن يبالغ في كلامه: (ينزع في القوس الطويلة) ولمن يخير بين أمور عدة: (عنده أوتار لقوس واحدة) وهذه العبارة الأخيرة في اللغة الفرنسية أيضاً. ويقال في الإنكليزية في تقدير المسافة:(على رمية سهم) كما يقال في العربية (مقدار غلوة). ويقال في الفرنسية لمن يتوسل إلى غايته بكل وسيلة:(يبري سهاماً من كل خشب). وأمثال هذا كثير. فما منع الإنكليز والفرنسيين استبدالهم بالأقواس والسهام آلات الحرب الحديثة منذ مئات السنين، أن يبقوا على العبارات التي حدثت في عهد الأقواس والسهام.
لست أقول ينبغي أن نلزم العبارات القديمة ونأبى كل عبارة حديثة فلا أحد يستطيع أن يحول بين الناس وبين الإبانة عما في أنفسهم بوسائل مشتقة من حياتهم ولكني أخشى أن تكون الدعوة إلى الجديد دعوة إلى هجر القديم، ونحن في هذا العصر، عصر الفتن أحوج ما نكون إلى التمسك بالقديم، والاستمساك دون التهافت في التقليد، والضلال بين القديم والجديد. ومن يمعن النظر في صحفنا ومنشآت طلبتنا يعرف كيف تركنا كثيراً من عباراتنا الجيدة الموروثة إلى عبارات غثة ضعيفة لا تكاد تبين عما وراءها.
ثم يتكلم الأستاذ عن مسايرة الأدب الغربي للزمن ووقوف الأدب العربي، فيقول:(ذلك بأن الأدب الغربي ساير الزمان وأعترف بكل ما حدث فيه وأستمد منه، على حين أن الأدب العربي الحديث أغمض عينيه عن كل ما كان، ولم يعترف بوجوده الخ).
ولو رددنا الأمور إلى نصابها وتجاوزنا ظواهر الأمور إلى بواطنها ما رأينا في هذا قصور