للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأدب العربي، ولا عجز أدباء العربية بل عرفنا فيه قصورنا في العلوم والفنون الحديثة أو حداثة عهدنا بها. الأدب ترجمان الحياة العامة فهو لا يتناول مسائل علم واصطلاحاته حتى تشيع أوليات هذا العلم بين الأمة شيوعا يدخل مصطلحاته في لغةالتخاطب٠ ولا ينبغي للأديب أن يدخل في الأدب المسائل العلمية أو الأسماء التي لا تزال مقصورة على العلماء المختصين بها. فإذا جاوزتهم إلى جمهور الأمة ودخلت في لغة الكلام ساغ للأديب أن يتناولها. في الكيمياء، مثلاً، مسائل عويصة لا يعرفها إلا علماء الكيمياء فهذه المسائل ستبقى وقفاً على العلماء مخبوءة بين أجهزة الكيمياء، ولن تخرج إلى لغة الخطاب العامة فتدخل في الأدب إلا أن تصير الأمة أو جمهورها من علماء الكيمياء. وهناك مسائل من أوليات هذا العلم كصفات الأحماض وتأثير بعض العناصر في بعض.

وهذه تدخل في اللغة العامة وتتهيأ للدخول في الأدب حين يشيع في الأمة علمها فلا يختص بها الكيميائيون. ومن أجل هذا تجد طلاب الفلسفة أو الطب أو النحو يتفكهون بتشبيهات من هذه العلوم لا يفقهها غيرهم إذ شاع علمها بينهم وصلحت للدخول في لغة تخاطبهم. وإذا رجعنا إلى تاريخ الأدب العربي عرفنا أن اصطلاحات الفلسفة والمنطق وغيرهما لم تدخل في الأدب أول عهد المسلمين بهذه العلوم. ثم شاعت بعض قضاياها واصطلاحاتها فساغ لأبي نؤاس وأمثاله أن ينظموها في شعرهم. كما قال أبو نؤاس:

تأملُ العينُ منها ... محاسناً ليس تنفد

فبعضها (يتناهى) ... وبعضها (يتولد)

فالتناهي والتولد من اصطلاحات الفلاسفة، وكما قال البحتري:

وكأن الزمان أصبح (محمولاً) ... هواه مع الأخس الأخس

فهو فيما أظن يشير إلى قول المنطقيين إن النتيجة تتبع أخس المقدمتين. وكقول المعري:

طرق العلى مجهولة فكأنها ... (صم العدائد) ما لها (أجذار)

أدخل في شعره من أسماء الحساب العدد الأصم والجذر وكقول الفارابي في اصطلاحات الهندسة:

وهل نحن إلا خطوط وقعن ... على كرةٍ وقع مستوفز

محيط السماوات أولى بنا ... فماذا التنازع في المركز؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>