للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد يكفي في هذا أن تشيع القضية العلمية بين المتأدبين من الأمة ولا ينتظر بها أن تشيع بين الجمهور. ولا يتسع المجال للإفاضة في البيان هنا.

ومهما يكن الأمر فقد غلا الأستاذ إذ قال: (أما الأدب العربي فيحارب مترليوزا بقوس وسهم، ويضيء في أدبه سراجاً بزيت والناس قادمون على أن يغيروا المصباح الكهربائي بخير منه ويبكي الأطلال ولا أطلال، ويحن إلى سلع ولا سلع ويستطيب الخزامي والعرار ولا خزامي لدينا ولا عرار.) هل يستطيع أستاذنا أن يعرفنا بشاعر أو كاتب في مصر أو الشام والعراق يفعل هذا؟

ويقول الأستاذ: (وسبب آخر من أهم الأسباب في فقر الأدب العربي في التعبير. هو أن الأدب العربي الحديث أدب أرستقراطي لا أدب شعبي.) وأنا لا أخالف هذا الرأي في جملته ولكن لي فيه مآخذ.

(١) ليس حقاً أن أحاديث الخاصة من متعلمينا وتنادرهم وفكاهاتهم باللغة العامية. فأحاديث الخاصة من المتعلمين أقرب إلى لغة الكتابة من اللغة العامية. ومراقبة مجلس الأدباء والعلماء تشهد بما أقول.

وفي هذا نفسه بيان خير الوسائل إلى ما دعا إليه من (إزالة الحواجز القوية بين العامية والعربية على أي وجه يرضاه قادة الأمة.) وذلك أن قرب أحاديث الخاصة من لغة الكتابة يبين لنا الطريق التي ينبغي أن نسلكها لإزالة هذه الحواجز. فليس لنا من وسيلة إلا أن ترقى العامة حتى تستطيع أن تفهم عن الخاصة إذا حدثتها. فكلما شاع التعليم في الأمة ارتقت العامة إلى مستوى أقرب إلى لغة الأدب. ونحن اليوم سائرون في هذه السبيل وقد سمعت في السنين الأخيرة جماعة من العامة وأشباه العامة يخطبون ويتكلمون بلغة لا تخالف لغة الكتابة إلا قليلاً. وآلاف المتعلمين من طلاب مدارسنا وآلاف القارئين الذين يستطيعون مطالعة الصحف والكتب عاملون كل يوم للتقريب بين العامية والفصحى.

(٢) ثم قد غلا الأستاذ حين قال: (وكل أمة قد كسبت من توحيد لغتها الكلامية والكتابية ما لا يقدر، فقد أصبح الشعب كله منتجاً أدباً وتعبيراً قوياً.) ليس في العالم شعب ينتج كله أدباً قوياً ولا يزال الخاصة من الأدباء هم منتجي الأدب وأئمته، بل أتفه الأدباء أقربهم إلى العامة. فلا يزال عند الأوربيين فوارق بين أدب العامة وأدب الخاصة وستبقى هذه الفوارق

<<  <  ج:
ص:  >  >>