ما دام اختلاف العلماء والجهال في عقولهم ومشاعرهم. وكل الذي نبغيه أن يلتقي العامة والخاصة في مقدار من الأدب مشترك هو أعلى ما تسمو إليه العامة وأدنى ما تنزل إليه الخاصة. ولن يزول الفارق بين الأدبين أبداً.
وكيف يوفق الأستاذ بين دعوته إلى أن يساير الأدب العلم وتستحكم الصلة بين كلية الآداب وكلية العلوم وبين دعوته إلى توحيد الأدب والمساواة فيه بين الخاصة والعامة. أيمكن أن يكون جمهور الأمة آخذاً بحظه من كلية العلوم أيضاً.
(٣) ثم الفكاهات والنوادر. يقول أستاذنا الفاضل. (حسبك دليلاً على ذلك أن النكت والنوادر، وهي من أهم أركان الأدب، لا تجد منها سائغاٍ في أدبنا العربي عشر معشار ما تجد في الأدب العامي. وإن النادرة تحكى بالعامية فنضحك إلى أقصى حد ثم تحكيها باللغة الفصحى فتخرج باردة تافهة)
نظر الأستاذ إلى هذه القضية من جانب واحد. والحق أن النكتة تبلغ مبلغها فيما وقعت فيه من حال وعبارة. فالذين يشهدون الواقعة المضحكة أو يسمعون الكلمة المضحكة أكثر ضحكاً لها ممن رويت لهم في غير أحوالها أو بغير ألفاظها، بل ينطق الرجل بالكلمة فيضحك لها الناس فإذا رواها غيره بلفظها في مثل حالها لا تبلغ من النفوس ما بلغته أول مرة لما فاتها من أثر القائل الأول. فإذا اختلفت العبارة فأحرى أن يختلف التأثير. فإذا ترجمت الفكاهة من لغة إلى أخرى ضاع أثرها كله أو بعضه وإذا نقلتها من عبارة إلى أخرى في لغة واحدة لم تبق على حالها الأول. فإن تكن النكت العامية تبرد إذا نقلت إلى العربية الفصحى فكم من نادرة فصيحة تموت إذا نقلت إلى العامية. وكثير من فكاهات الجاحظ و (كتاب الحمقى والمغفلين) لأبن الجوزي لا يمكن نقلها إلى العامية؛ فالفكاهات المتعلقة بالنحو والعروض والفقه ونحوها وكثير منها يضعف أثره وإن أمكن نقله. وإلا فكيف تترجم إلى العامية هذه العبارات:
قال رجل للحسن يا أبى سعيد. فقال كسب الدرانيق شغلك عن أن تقول يا أبا سعيد. وقدم رجل من النحويين رجلاً إلى السلطان في دين له عليه فقال أصلح الله الأمير لي عليه درهمان. قال خصمه: لا والله أيها الأمير إن هي إلا ثلاثة دراهم لكنه لظهور الإعراب ترك من حقه درهماً واعتبر كل ما في كتب الأدب من ملح تجد أكثرها يجري هذا