للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصبح يطلع علىًَ كأنه ولادة جديدة، فأنا دائماً في عمر طفل. وجاءني الخير من حيث أحتسبُ ولا أحتسب، وكأنما نمتُ فانتبهتُ غنيّاً، وعَمِلَ القلبُ الحيُّ في الزمن الحيّ

ولقد أَفدْتُ من الآية طبيعةَ لم تكن فيَّ، ولا يثبتُ معها الشر أبداً؛ فاصبح من خِصالي أن أرى الحاضرَ كلَّه متحركا يمرُّ بما فيه من خيره وشره جميعاً، وأستَشْعِرَ من حركته مثلما ترى عيناي من قِطَار الإبل يهتزُّ تحت رِحاله وهو يُغِدُّ السَّير

لم أُبْعِدْ قليلاً وأنا أمشي مطمئناً تائباً متوكلاً حتى دعاني رجلٌ ذو نعمة ومروءة وجاء، وكأنما كلَّمه قلبه أو كلمه وجهي في قلبه فاستَنْبأني، وبثَثْتُه حالي واقتصصتُ قصتي. فقال: سيُحييك الله بالطفل الذي كدتَ تقتله فارجع إلى دارك. ثم وجَّه إلى دنانير وقال: اتَّجِر بهذه على اسم الله وبركته فسينمو فيها طفلٌ من المال حتى يبلغ أُشدَّه. وقد صدق إيمانه وإيماني فبارك لي الله ونما طفلُ المال وبلَغَ وجاوز إلى شبابه

قال المسيَّب: وجلس الرجل وكان كالخطيب على المنبر، فقال الإمام: وما أشبه النكبَة بالبيَضةُ تحسَب سجناً لما فيها وهي تحوطُه وتربِّيه وتُعينُه على تمامه، وليس عليه إلا الصبرُ إلى مدة، والرضى إلى غاية، ثم تَنْقُفُ البيضةُ فيخرجُ خلقاً آخر

وما المؤمنُ في دنياه إلا كالفَرخ في بيضته، عملُه أن يتكوَّن فيها، وتمامُه أن ينبثقَ شخصُه الكامل فيخرج إلى عالَمِه الكامل

(طنطا)

مصطفى صادق الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>