لا يزال في أوله يُنذرُ بالأهوال، وقد يكون هَوْلهُ انتهى أو يُوشك
قال الرجل: وكنت أرى يأسي قد اعْتَرى كل شيء، فامتد إلى آخر الكون وإلى آخر الزمن؛ فلما سكن ما بي إذا هو قد كان باسَ يوم أو أيام في مكان من الأمكنة؛ أما ما وراء هذه الأيام وما خلف هذا المكان فذلك حكمُهُ حكمُ الشمس التي تطلع وتغيب على الدنيا لإحيائها؛ وحكم الماء الذي تَهْمي السماءُ به ليسقي الأرض وما عليها، وحكم استمرار هذه الأجرام السماوية في مَدَارِها لا تُمسكها ولا تزنها إلا قوة خالقها
أين أثر الإنسان الدنيء الحقير في كل ذلك؟ وهل الحياةُ إلا بكل ذلك؟
وما الذي في يد الإنسان العاجز من هذا النظام كله فيَسُوغَ له أن يقول في حادثةٍ من حوادثه إن الخير لا يبتدئ وإن الشر لا ينتهي؟
تعتري المصائب هذا الإنسان لتمحوَ من نفسه الخِسَّة والدناءة، واكسر الشرَّ والكبرياء، وتَفثَأ الحدَّةَ والطيش؛ فلا يكون من حمقه إلا أن يزيد بها طيشاً وحدة، وكبرياءَ وشراً، ودناءة وخسة، فهذه هي مصيبة الإنسان لا تلك
المصيبة هي ما ينشأ في الإنسان من المصيبة
قال: وردًّدتُ الآية الكريمةَ في نفسي لا أشبع منها، وجعلتُ أرتلها أحسنَ ترتيلٍ وأَطرَ به وأشجاه فكانت نفسي تهتزُّ وترّبحُّ كأنما هي تبدأُ تنظيمَ ما فيها لا قرار كل حقيقة في موضعها بعد ذلك الاختلاط والاضطراب
صبرُ النفس مع الذين يمثلون روحانيتها تمثيلاً دائماً بالغَداة والعشيّ، وعلى نور الحياة وظلامها، يريدون وَجهَ الله الذي سبيلُه الحبُّ لا غيرُه من مال أو متاع. وتقييدُ العينين بهذا المثل الأعلى كما يكون الأمر في الجمال والحب؛ والربطُ على الإرادة كيلا تَتَفَلَّت فتُسفًّ إلى حقائر الدنيا المسمى هُزُءاً وتهكما زينةَ الدنيا، تلك التي تشبه حقائق الذباب العالية. . . فتكون قذرةً نجسةً، ولكنها مع ذلك زينة الحياة لهذا الخلق. . . .
تلك والله هي أسباب السعادة والقوة. أما المصائب كلها، فهي في إغفال القلب الإنساني عن ذكر الله
قال: ولما صحَّت توبتي، وقوىَ اليقينُ في نفسي، كَبُرَت روحي واتسعت، وانبعثت لها بواعث من غيره حقائق الذباب، وأشرق فيها الجمال الإلهي ساطعاً من كل شيء، وكان