وشكك الناس في الحقيقة وكيفية الوصول إليها. فهم بهذا من أكبر الخصوم (الفلسفة الفكرية) التي تحدثنا عنها. والأخلاق لدى أصحاب الرواق تعتمد على أساس سقراطي واضح؛ فالرواقيون يرون - كما يرى سقراط - أن الحسن ما أملته الإرادة، وما أتفق مع العاطفة الشخصية. وعلى هذا يجب أن تؤسس الأخلاق لديهم جميعا على دعامة من العزيمة والشعور الفردي. وطريقة اللاإداريين في الحوار والمناقشة متأثرة قطعاً بطريقة سقراط ومن قبله من السوفسطائيين
ذلكم هو سقراط في العالم الإغريقي؛ وبودنا أن نعرف على أي صورة وصل إلى العالم العربي هل وجد بين العرب أنصارا وأتباعا مثلما وجد بين الأغريق، وهل عنى المسلمون بشأنه عنايتهم بأفلاطون وأرسطو؟ مما لا شك فيه أن هذين الأخيرين ملكا على العرب الجانب الأعظم من تفكيرهم الفلسفي، وكان موضع شغل الباحثين منهم ولعل ذلك راجع إلى أن قدرا كبيرا من كتبهما ترجم إلى العربية، فساعدا على دراستهما دراسة مستفيضة. أما سقراط فلم ينفذ إلى الفكر الإسلامي إلا بواسطة ما رواه على لسانه أفلاطون وأرسطو وبعض المؤرخين أمثال بلوتارك. بيد أن شيخ أثينا هذا، ورسول (أبولون) وترجمان وحي (دلف) قد أثر في نواحي عربية هامة غامضة؛ وسنحاول الكشف عنها اليوم
في سقراط ظاهرتان هامتان: حياته أن شئت شخصيته الغريبة، وطريقته وتعاليمه؛ وقد يكون ذيوع صوته راجعاً إلى الأولى اكثر من رجوعه إلى الثانية فكثير من الناس يعرف سقراط الزاهد المتقشف الذي أعرض عن ملاذ الدنيا فلم يشرب نبيذا قطاً ولم يتناول طعاماً شهياً؛ وكثير منهم يعرف سقراط القوى العزيمة الذي لا يخضع لإرادة غير إرادة الحق مهما عظم شأنها؛ وكثير منهم يعرف سقراط البطل الذي ضحى بنفسه آمنا مطمئنا في سبيل رايته وعقيدته. كل هؤلاء يعرفون ذلك من سقراط، وان خفيت عليهم آراءه ونظرياته. هذه الظاهرة الهامة في الفيلسوف الأثيني هي التي بهرت المسلمين بوجه خاص، فرعاهم منه شخصه أكثر مما راعهم علمه ودرسه. وإن إذا رجعنا إلى كتب التراجم العربية وجدنا أنها لا تكاد تدرس إلا حياته وقصة موته. فابن النديم الذي ترجم له في اختصار بلغ حد الإخلال اكتفى بأن قال أنه (كان زاهدا خطيبا حكيما قتله اليونانيون لأنه خالفهم)، والقفطي الذي وقف عليه نحو تسع صفحات من القطع الكبيرة بين في