تفصيل كيف حوكم هذا المتهم البريء وكيف نفذ فيه حكم الإعدام. وابن أبي أصيبعة يشارك القفطي في ترجمته المطولة ويضم إليها بعض حكم يعزوها إلى سقراط إلا أن هذه التراجم في جملتها تحوي أخطاء يجدر بنا أن نشير إلى بعضها فمثلا يزعم ابن النديم ومن جاء بعده أن سقراط ألف مقالة في السياسة ورسالة في السيرة الجميلة؛ والحق أن هذا الفيلسوف لم يكتب شيئاً قط. ومن الغريب أن ابن أبي أصيبعة قد تنبه إلى هذا ولاحظ أن سقراط (لم يصنف كتاباً، ولا أملي على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنه تلقيناً لا غير)؛ ولكنه عاد فوقع فيما وقع فيه من قبله من الخطأ. ويكاد يجمع أصحاب التراجم هؤلاء على أن سقراط عاش ثمانين سنة أو جاوزها إلى مائة مع أنه توفي عن إحدى وسبعين سنة. ويروي القطفي عن بعضهم أن سقراط كان شآمياً وهذا خطأ واضح فإن هذا الحكيم أثيني في نشأته ونسبه ويمثل أول خطوة في الحركة الفلسفية التي دامت في أثينا نحو قرن أو يزيد. ومهما يكن من شيء فإن إن غضضنا الطرف عن هذه الهفوات الصغيرة وجدنا أن هؤلاء المؤلفين وصفوا حياة سقراط في جزيئاتها الهامة
لم تلفت هذه الحياة العظيمة نظر مؤرخي العرب وحدهم بل كان لها اثر بين كل طائفة من الفلاسفة والعلماء فالكندي بلغ به حبه للفيلسوف الإغريقي وإعجابه به أن كتب فيه عدة مؤلفات منها: رسالة في خبر فضيلة سقراط، رسالة في ألفاظه رسالة في ما جرى بينه وبين الحرانين، رسالة في موته. وهناك تشابه بين سقراط والكندي لن يفوتنا أن ننبه إليه؛ فلئن كان الأول قد مهد (للفلسفة الفكرية) في العالم الإغريقي ووضحها بأمثلة من الأخلاق والحياة الدارجة، فأن الثاني هو أول من أتجه نحو الدراسات الفلسفية في العالم العربي. وإخوان الصفا يصعدون بسقراط إلى درجة النبوة، ويعقدون لموته فصلاً قيماً في رسائلهم؛ وعلهم استقوه مما كتبه الكندي من قبل. ويرى الرازي طبيب الإسلام الأكبر وفيلسوفه الذي لم يدرس بعد الدرس اللائق به إن سقراط هو الفيلسوف الحق، ويعارض به أتباع أرسطو من زملائه ومعاصريه المسلمين. ومعروف ما بين الرازي وإخوان الصفا من صلات في العقيدة والآراء الفلسفية والسياسية. فلسقراط إذن أبناء وتلاميذ في الديار الإسلامية، كما كان له من قبل في البلاد الإغريقية؛ وهؤلاء التلاميذ ألصق بشعبة الإسماعيلية والمتصوفة الذين شاءوا أن ينهجوا نهج حكيم أثينا في زهده وتقشفه وأن يتفانوا تفانيه في نصرة