فداروا فيه كما يدور الحمار في الساقية، وكان سيرهم سير السواقي، سفراً لا ينقطع. . . . ثم فتق لهم التفكير وجه الحيلة، فأجمعوا الرأي على أن يركبوا السكة بالسيارات وعجبوا من أنفسهم كيف حملوا هذا العناء كله، ولم يهتدوا إلى هذا الرأي. . . وكانت السكة عالية تمشي فوق الوعرة كأنها الصراط ممدوداً فوق جهنم، فامضوا ساعتين في ارتقائها، ثم لما ركبوها تعذر المسير عليها، فعجبوا من أنفسهم كيف ارتكبوا هذه الحماقة، ولم يعلموا أن السيارة لا تمشي على سكة القطار، وأنفقوا ساعتين أخريين في النزول عنها، حتى إذا نزلت جلسوا على الأرض. قد طحن الجهد أجسامهم، وملأ اليأس نفوسهم، وانقطع أملهم من كل شيء إلا من الله، وضل من يدعون إلا إياه، فاقبلوا على الله بالدعاء والاستغفار، وذاقوا من حلاوة الإيمان وبرد اليقين، ما اطمأنت به نفوسهم، وارتاحت له ضمائرهم؛ ثم لم يلبثوا أن استجاب الله دعاءهم، وجاءهم منه الفرج، وسمعوا هتاف الجند الذين بعث بهم أمير العلا بأمر جلالة الملك عبد العزيز لمعونتهم وخدمتهم. . .
جلس يفكر في هذا كله، فيراه هيناً إذا قيس بخور حمار وذكر كيف أمضوا نهاراً بطوله، يستعدون لدخول الخور، فلما أقبلوا عليه رأوا مدخله كالشارع العظيم، على جانبيه صخور كبيرة مكعبة مستوية قائمة كالبنيان، كأنما قد بنتها يد بناء حاذق، بميزان الزئبق والشاقول، وفي وسطها جدار من الصخر عرضه ستة أمتار، يشبه غي شكله سفينة عظيمة لم تنزل بعد إلى البحر، لها مقدمها وجوانبها، وقد قدر أصحابنا علو هذه الصخور من مائة إلى مائة وخمسين متراً، فامتلأت نفوسهم رهبة وخشوعاً، وأحسب أن لو رأى هذا الممر سياح الأمريكان لحملوا في سبيل رؤيته عناء السفر في البادية مهما طال وشق. . .
وأرض هذا المضيق رملية حمراء يغوص فيها الماشي إلى الركبة، لها شكل متموج جميل يشبه شكل البحر، يلذ المرء أن يلقي بنفسه عليها، فيشعر كأنما يلقي بنفسه على فراش ناعم حلو. أو ينام على سطح الماء. . .
وذكر كيف انقضى النهار وانقضى الغد ولم يجاوزا نصف المضيق، ورفع رأسه وكان الفجر قد انبلج، وبدت طلائع النهار، فرأى هذه الصخور الشاهقة المستوية، وهذه الشقوق التي تحدث فيما بينها مثل الأزقة، يملأ مرآها النفس خشوعاً
وذكر كيف بذلوا جهدهم، واستعانوا بعشرين من الجنود الأقوياء ثم لم يقطعوا في يومين