والتدليل، لكنه على قوة حجته نحا في الموضوع منحي الإيجاز والاختصار، وذاك ما حملني على أن أعود - على بعد الدار - للفت أنظار قراء الرسالة للموضوع مرة اخرى، وبما أن مثار مناقشتي إنما هو ما كتبه الأستاذ الخولي أذكرأولاًما قاله في هذا الصدد قال:(. . ومع عدم تعصبي للقول بهذا التأثر ومع القصد في بيانه فإني أرى هذا الاستدلال على عدم تأثر الأوزاعي غير مقبول من الوجهة الاجتماعية والنفسية، فإن متبع الكتاب والسنة لابد له من أن يفهمهما أو يتبين مراميهما وأغراضهما وعللهما وحكمهما، ولكل شخص في هذا الفهم والتبين عقله الخاص وشخصيته الخاصة ومنهجه الخاص، وذلك كله من أشد ما يكون تأثراً بالثقافة والبيئة، فلا غرابة في أن يتأثر منهم الفاهم للكتاب والسنة المتبع لهما تأثراً جلياً بعوامل تثقيفه وظروف حياته كما تأثر بذلك تفسير القرآن في كل الأزمنة، بل كما تأثر بذلك فهم العقائد وأصول الدين ذاتها تأثراً لا يسعنا إنكاره، ولا قيمة لحرصنا على هذا الإنكار لأننا بذلك نقاوم سنن الله في خلقه)
وقبل كل شيء نقول إن الإسلام في ذاته جاء خارقاً لقاعدة البيئة والثقافة، إذ قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو النبي الأمي الذي نشأ من ابعد الناس عن يطلع على قانون روماني أو حكمة منقولة، وأتى بهذا الدين الأقدس مناقضاً كل التناقضات لما عليه قومه، مبايناً لهم في عاداتهم وعقائدهم إذ وجد في وسط بعيد عن العلم، ودرج في بيئة كلها شرك، وجو كله خرافات وأوهام، وبينما هو في هذا المحيط المشبع بالشرك والجاهلية إذا هو ينهض بدين كله حكمة، ونور يسفه الشرك وينبذ الخرافات، ويدعو إلى شريعة سمحة بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
ورداً على زعم التأثر نقول: إن الشريعة الإسلامية وجدت كاملة دفعة، أو بعبارة أصح جاءت في زمن واحد، واستقيت من ينبوع واحد، هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حكم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الجزيرة العربية إلى العراق وأطراف الشام، ولم يلحق الشارع الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى إلا وقد تركنا على المحجة البيضاء، وهيأ لنا شريعة كاملة وقانوناً ربانياً منظما يصلح لأن يطبق على أي جيل، وعلي أية أمة، ولم يزد فيه الفقهاء بعده شيئاً قط إلا تصنيفه ونقله، غير أنهم فيما لم يجدوا فيه نصاً صريحاً يطبقونه على قواعده الأساسية. والنصوص الفقهية كلها