للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صريحة بينة الأغراض واضحة المرامي، أما الأغلب منها فمن الحديث والسنة، وبعضها عن الكتاب مفسراً بالسنة، فكيف يكون لكل شخص فيها فهمه الخاص وشخصيته الخاصة ومنهجه أو عقله الخاص، متأثراً بالثقافة والبيئة كما يقول الأستاذ الخولي؟ إن الكلام الصريح لا يحمل معنى غير ما يتبادر لذهن سامعه، فإذا قلت مثلاً: لا تكذب فليس معناه إلا لا تخبر بغير الواقع، سواء كان ذلك في القرن الأول للهجرة أو في يومنا هذا في القرن الرابع عشر، وسواء أكان السامع متأثرا بثقافة عربية أو رومانية أو صينية فلن يستطيع بعامل ثقافته وظرف حياته أن يزيد في معناها شيئاً، وأرى أننا لو نقلنا خطبة رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع مثلاً ونشرناها اليوم لما فهم منها من يعرف مدلولات الكلام العربي من مثقفي اليوم إلا ما فهمه عشرات الألوف من المسلمين حينما خطبهم رسول الله صلى عليه وآله وسلم في ذلك الموقف الرهيب قبل ثلاثة عشر قرناً ونصف

ولا يجوز أن يقاس الفقه بالتفسير، إذ لا يقاس بكتاب الله شيء لبلاغته وأسلوبه العجز، مع عمق معانيه وبعد أغراضه التي لا يستطيع حصرها واكتناهها فهم أو فكر، وهذه فيه من أعظم الدلالات على إعجازه، فهو لا يزال على الأحقاب والأجيال ينفحنا بمعانيه ومراميه بما يشرح الصدور ويقوي الإيمان

على أن الاختلاف في تفسيره وهو ما يراه الكاتب من تأثير البيئات - ليس إلا لا يجازه المعجز مع بعد مراميه الغيبية مما تاه لبعضه المفسرون الأولون، فجاء الزمن يفسره، فكان هذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

ثم إن الفقه الروماني الحديث على الرغم أنه اختفى ثم اكتشف لم يظهر ولم يعمل به إلا في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر بعد الميلاد. أما قبل الحادي عشر فإنه لم يكن معروفاً حتى عند الرومان أنفسهم

ولاشك أن الفقه الإسلامي قد قرر وصنف قبل ظهوره بقرون، فكيف يكون متأثراً بشيء لما يوجد بعد؟ وما قيمة زعم تأثر الفقهاء بالقوانين الرومانية إذا كان مصنفو الفقهاء وأئمتهم، ومنهم مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي الخ درسوا وألفوا وصنفوا قبل أن توجد أو تعرف القوانين الرومانية للرومان أنفسهم؟ أليست هذه مهزلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>