للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذراعين أكبر من ذراع واحدة، لأن الاثنين ضعف الواحد

قال سيبيس: وماذا أنت اليوم قائل في مثل هذه الأمور؟ - فأجاب: كان ينبغي أن أنأى بنفسي بعيداً عن توهم أنني اعلم إليه سبباً؛ حقاً كان ذلك ينبغي، فلست أستطيع أن أقنع نفسي بأننا لو أضفنا واحداً إلى واحد صار الواحد الذي جاءته الإضافة اثنين، أو أن الوحدتين مضافتين معاَ تساويان بسبب الإضافة أثنين، فلست بمسيغ كيف أنه إذا انفصلت إحداهما عن الأخرى كانت واحداَ لا أثنين، ثم إذا تلاقيا، فقد يكون مجرد التقارب بينهما سبباً في أن تصبحا اثنتين: هذا ولست أفهم كيف تكون قسمة الواحد سبيلاً للحصول على اثنين، لأنه عندئذ تكون النتيجة الواحدة ناتجة من سببين متباينين - ففي المثال الأول نشأ اثنان من جمع واحد إلى واحد وتقاربهما، وفي الثاني كان السبب هو انفصال واحد من واحد وطرحه منه ولست مقتنعاً بعد ذلك بأنني أفهم لماذا يتولد الواحد، أو أي شيء آخر، ولماذا نزول، بل ولماذا يكون إطلاقاً. إنني لن أسلم بهذا قط وإني لأتمثل في ذهني فكرة مهوشة عن طريقة أخرى

ثم استمعت إلى رجل كان عنده كتاب أناكسجوراس، كما قال، وطالع فيه أن العقل هو المصرف والعلة لكل شيء، ولشد ما اغتبطت لذكر هذا الذي كان باعثاً على الإعجاب. وقلت لنفسي: إذا كان العقل هو المسير فإنه سيسير بكل شيء إلى الصورة المثلى، ويضع كل شيء أحسن موضع، وزعمت أن من يرغب من الناس في استكشاف علة تولد أي شيء أو زواله أو وجوده، فعليه أن يرى كيف تكون الصورة المثلى لذلك الشيء من حيث وجوده وسعيه وعمله، لذلك كان لزاماً على المرء ألا يضع نصب عينه إلا الحالة المثلى بالنسبة إلى نفسه وإلى الناس، ثم عليه بعد ذلك أن يعلم الأسوأ أيضاً، فالأمثل والأسوأ يحويهما علم واحد. وسرني ما ظننت أي واجد في اناكسجوراس من يعلمني ما وردت أن أعلم من أسباب الوجود، وخيل إلى أنه منبئي أول الأمر عن الأرض أمسطحة هي أم كروية، وأنه باسط لي بعد ذلك علة هذا وضرورته، وأنه معلمي طبيعة الأمثل ومظهري على أن الأمثل إنما هو هذا، فإن زعم أن الأرض قائمة في المركز شرح كيف أن هذا هو الوضع الأمثل، وكنت سأقتنع به ولو بين لي ذلك، وما كنت لأقتضيه غير ذلك سبباً، وحسبت أنني قد التمسه بعد ذلك فأسائله عن الشمس والقمر والنجوم، فيشرح لي سرعتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>