وفي مقالته الثالثة (فوق المعركة) - التي أطلق عنوانها على مجموعة المقالات حين جمعها فيما بعد، نسمع رومان رولان يوجه اللوم الشديد إلى قادة الرأي العام والرؤساء الدينيين والمفكرين والخطباء الاشتراكيين قائلاً:(بين أيديكم ثروات حية، كنوز من البطولة، فماذا فعلتم بها؟ لقد وجهتموها إلى الصراع والموت!) ثم تراه يظهر استنكاره المرير من أن تنتقل شهوة رجال السياسة إلى رجال الفكر فتتولد بينهم العداوة (فيصبح أوكن ضد برجسون، وهويتمان ضد مترلنك، ورولان ضد هويتمان، وولز ضد برناردشو. كما يتغنى كبلنج ودانونزيو ودو رينييه وبارس ومترلنك بأغاني الحرب والقتال. بينما يطلب الفيلسوف الشيخ قندت - الذي بلغ من العمر الثانية والثمانين - بصوته المحطم من طلبة جامعة ليبنزج الاشتراك في (الحرب المقدسة))
وفي هذا المقال أيضاً صرح رولان أن اعظم هيئتين خانتا مهمتهما وظهرتا بمظهر الضعف أثناء الحرب هما (أولاً) المسيحية: أي السلطة الدينية (وثانياً) الاشتراكية. إذ أن كلا من هاتين الهيئتين من أول مبادئهما الدعوة إلى السلام العالمي والإخاء بين الشعوب. لهذا كان تأييدهما للحرب وقبولهما دخول سعيرها إنكارا لا يليق لمبادئهما السامية. (فهؤلاء الاشتراكيون الذين لم يجدوا في نفوسهم الشجاعة على الموت في سبيل عقيدتهم قد وجدوها للموت في سبيل عقيدة الآخرين)
وعندما يتكلم عن الباعث الحقيقي على الحرب يقول:(إن العدو الألد ليس خارج حدود الوطن بل هو رابض داخل كل أمة. وليس هناك أمة واحدة تملك الشجاعة لمحاربته. إنه ذلك الشبح ذو المائة راس الذي يسمى التوسع الاستعماري. تلك الإرادة في الكبرياء والتسيطر التي تريد أن تمتص كل شيء فإما الخضوع لها وإما الهدم. تلك الإرداة التي لا تحتمل مطلقاً أي عظمة ونمو خارج دائرتها)
وبعد أسبوع من معركة المارن أعلن رومان رولان فكرته العالمية (ووجوب إقامة المدينة الواسعة الممتدة الأطراف التي تزال منها المظالم وأحقاد الأمم وتجتمع فيها النفوس المتآخية الحرة في العالم أجمع) على أنه لم يكن يطلب تحقيق ذلك عن طريق العنف فهو ألد أعدائه. بل يترك للزمن تحقيقه على مهل حين تسمو النفوس عن الصغائر وتتجرد العقول مما