بستور ورجا أن يعفى من هذا، لأنه كان في انتظار حمولة عربة من الأجهزة ستأتيه من باريس، مع أن ضيافته في القصر الملكي كانت لأسبوع واحد. وأكبره الملك والملكة لما رأياه مكباً على مجهره، بينا يكب الآخرون من الأضياف على صنوف اللهو والخلاعة
لابد أن يعلم الناس أن المكروب لابد له من آباء! وفي باريس، في سهرة علمية بالسربون، قام بستور فالقى خطاباً سهلاً في الجمهور الحاضر، وكان من بينهم اسكندر دوماس القصصي الشهير، وجورج ساند المرأة العبقرية المعروفة، والأميرة ماتلدا، ومئات من ذوات البلد وأعيانه. وقام في هذا الحشد بقطعة مسرحية رجعوا من بعدها إلى بيوتهم يثقلهم الهم ويساورهم الخوف. فقد أراهم بستور على الشاشة صوراً عديدة من مختلف المكروبات. وبدون إنذار أظلم المكان فجاءة، وأرسل في كتلة الظلام الأسود شعاعاً ابيض من الضياء. وصاح فيهم:(انظروا إلى هذا الشعاع، وانظروا إلى العدد الهائل من ذرات التراب التي ترقص فيه، ثم اعلموا أن الهواء الذي انتم فيه مليء بهذا الهباء، ثم تعلموا إلا تحتقروا دائما شيئا لصغره، فتلك الذرات الصغيرة قد تحمل المرض والموت، قد تحمل فوق ظهورها مكروب التيفوس والكوليرا والحمى الصفراء، وأنواع كثيرة غير هذه من الوباء). هذا هو النبأ الفظيع الذي جمعهم من أجله! ألقاه إليهم في صوت يتهدج غيرة وإخلاصا، فآمنوا به وارتجفوا ارتياعا منه. بالطبع لم يكن هذا النبأ صادقا كله، ولكن بستور لم يكن كذاباً فياشا، بل كان يؤمن كل الإيمان بالذي يقول. فهذا الهباء، وهذا المكروب الذي حمله، أصبحا من ضرورات حياة صاحبنا. إذا فكر ففيهما التفكير، وإذا نظر فإليهما النظر. ويدعوه الداعون من رجالات المجتمع إلى موائدهم فلا يبالي أن يرفع إلى أنفه الصحون والمعالق، فيحملق فيها، ثم يدور عليها يمسحها بمنديله. كان كل عمل يأتيه إعلانا بعيد المدى عن تلك المكروبات
نعم أغرق بستور كل فرنسي أن يهتم لهذه المكروبات، من الإمبراطور في عظمته وأبهته، إلى الزبال بين قمامته. وتسارق الناس الأخبار من أبواب مدرسة النرمال عن أحداث مريبة غريبة، حدثت أو تحدث قريباً: ومر الأساتذة والطلاب بتلك المعامل، وفي خطاهم بعض سرعة، وفي قلوبهم شيء من فزع؛ وكأني بك تسمع الطالب يتحدث إلى رفيقه الطالب، وقد مرا في طريقهما بمدرسة النرمال فأظلتهما حيطانها العالية الغبراء، فيقول له: