وكانت أثينا تزهى كل سنةٍ بعيدها الرياضي الفخم؛ فتلبس حلةً من البهجة والإيناس، وتؤمها وفود الأقاليم المجاورة تتفرج بالألعاب الجميلة، وقد تشترك فيها
وكان لمينوس ملك كريت، ابن مفتول العضل قوي البنية حبيب الطلعة، كان يقدم إلى أثينا إبان عيدها الرياضي ليباري أبطالها، ثم يعود مشمولاً بحب الأثينيين وإعجابهم الشديد، ولقد كان يحدث ألا يكون للموسم بهجته المعتادة إذا تخلف ابن مينوس فلم يحضر إلى أثينا
ومن غريب المصادفات أن يولد ابن ملك كريت هذا في نفس اليوم الذي تضع فيه القروية الحسناء الغلام ثيذيوس ابن ملك أثينا
ومن يرغب المصادفات أيضا أن ينشأ ثيذيوس هذه النشأة الرياضية التي نشأها ابن مينوس، والتي كانت إماراتها تبهر الأثينيين وتخلب ألبابهم في موسمهم الرياضي
ولم يكن الأثينيون يعلمون أن لملكهم ولداً، هو إن لو يبرز على ابن مينوس في الألعاب الرياضية، فإنه لا يقل عنه شأنا فيها. ولم يكن الملك نفسه يعلم عن ولده شيئاً، ولو قد علم عنه شيئاً لما سولت له نفسه الأثيمة أن يدبر غيلة ابن مينوس في حلك الليل، وفي طريقه المقفرة إلى المرفأ، حين آب بأكثر جوائز الموسم الرياضي، في المصارعة والملاكمة والعدو ورمي القرص. .!
لقد أكلت الغيرة العمياء قلب الملك الجبان، وتلظى فؤاده بحقد أسود حجب بصيرته، فأرسل عصابة من اللصوص وقطاع الطرق والسفاكين، ذبحوا الشاب المسكين، ونبذوا جثته بالعراء، تنوشها الوحوش وسباع الطير!
واهتزت أثينا المضيافة، أثينا أم القرى، لهول الجريمة، ونقموا على القتلة الأشرار اعتداءهم الشنيع على ضيفهم المحبوب؛ وكادت تندلع ألسن الثورة حين استفاضت الإشاعات وراجت سوق الأقاويل، لولا أن وصل في صبيحة ليلة الجريمة، البطل الصغير ثيذيوس ولي العهد فجأة، ومن غير سابق علم، ولا ترقب ولا انتظار!