(كان ينشأ في الريف، وهو ابن حسناء من أميرات الأقاليم وولد منذ عشرين
ولم لم تعلم به أثينا من قبل؟
(أراد الملك أن يفاجئ شعبه بهذا الخبر السار، لولا اغتيال ابن مينوس؟!
(وهل هو حقاً أشجع من ابن مينوس؟
(ومن يكون ابن مينوس، وألف بطل كابن مينوس إلى ولي عهدنا ثيذيوس؟ وهكذا راحت الجماهير يتحدث بعضها إلى بعض حديث ثيذيوس
أما كيف وصل هذا الأمير الصغير، فإن أمه لما آنست فيه القوة واكتمال البنية، ولما رأت من تدفق ماء الشباب في وجناته، وسريان كهرباء الحياة في عضلاته، قادته إلى الحجرة التي لقيت فيها لأول مرة أباه، ثم ناولته الخطاب المكنون الذي يحمل وصاة الملك. وما قرأ الفتى ما جاء بالخطاب حتى تأكدت له الأماني العذاب التي كانت أمه تهتف له بها، فتقدم إلى الصخرة فرفعها بأقل جهد، ثم حمل السيف فقبله، ووضعه هنيهة على رأسه، ثم على عينيه، ثم على قلبه، كأنه يطبع به خاتم المحبة الأبوية على أعز جوارحه!
وربط النعلين العزيزتين على قدميه، وانهال على خدي أمه ويديها يقبل هذين ويلثم هاتين، وودعها، وتزود من نصائحها، وانطلق ميمما شطر أثينا
وكانت الطريق إلى العاصمة صعبة شائكة محفوفة بالمكاره، ككل طريق تؤدي إلى جنة أو نعيم؛ فاللصوص وقطاع الطرق والسفاكون يأخذونها من كل حدب، والسباع الضواري تعج في جنباتها، والغيلان والأبالسة تهمهم في جميع منعطفاتها. . . ولكن هذا كله لم يثن من عزم ثيذيوس؛ فلقد قتل كل من تعرض له من لصوص هذه البرية المرعبة، وفري رؤوس سباعها، حتى لقد فر الكثيرون أمامه يذيعون نبأ مقدمة في أثينا. فما وصل إليها حتى كان صيته قد سبقه وشاع فيها. وما إن تقدم إلى أبيه الملك حتى عرفه، ونزل من فوق العرش فعانقه وقبله، ثم عاد فأجلسه بجانبه، وألقى إليه بأذنيه يصغي إلى قصة حياته، ومجازفته في الطريق التي تكتنفها الأهوال إلى أثينا!
وأعلن السرور العام في المدينة، وطفقت النواقيس تدق في الهياكل، وأطلق سراح المجرمين من جميع السجون، وجعل الناس يتندرون بشجاعة ولي العهد وقصته العجيبة، حتى لأنساهم ذلك هول المأساة الدامية التي روعتهم وزلزلت قلوبهم