وانتظر مينوس أوبة ابنه، بيد أنه قلق لانقطاع أخباره، وساورته الظنون من أجله، وحسب أن ريحاً عاصفاً ثارت بمركبه في البحر الإيكاري فأغرقته، لولا أن أحد التجار الكريديين عثر بجثة القتيل فاحتملها إلى الملك، الذي تصدع قلبه من الأسى!
ولا تسل عما انتاب مينوس من الحزن، وما شمل كريد من الهم، حتى لم تبق فيها عين لم تذرف ماءها على ولي العهد!
واتصل بالملك ما كان من فعلة إيجوس ملك أثينا، فاستيقظ الناس صبيحة اليوم التالي على صيحة الحرب، تدوي في غبشة الفجر فتقض المضاجع، وترن في الآذان وتتجاوب لها حبات القلوب! وما تطلع الشمس حتى تكون البطاح مائجة بجنود كريد البواسل، هائجة بالمتحمسين من الشبان والشيب، هرعوا جميعا فدى الملك، وريا لمجد الوطن، وإثئاراً لولي العهد!
وترامت الأخبار إلى أثينا، فاعتكرت أفراح البلاد، وسكن ضجيج الشعب، وسارع الجميع يستعدون للقاء العدو، فها هي القلاع قد سهر عليها حراسها، والسبل منبثة فيها الجنود شاكي السلاح، والمرافئ تعج بالسفائن الحربية، وكل رجل في المملكة قد اضطلع بنصيبه في الذود عن بيضة الوطن!
وأقلع مينوس بأسطوله اللجب، وعسكره المجر، وفرسانه العديدين، مزودين بميرة ليس كمثلها ميرة، وذخيرة يا لها من ذخيرة. . . ومخر الأسطول لا تحول بينه وبين مطمحه عقبة، ولا يقف من دونه محمق ولا مجنون
ووصل الأسطول إلى أثينا، غادة هيلاس، وهدية الآلهة إلى فينوس، وعروس الأحلام الجميلة؛ فوجد الأسوار مخفورة، والبوابات مغلقة، والناس داخل المدينة مستعدين للدفاع عنها، فألقت الفلك مراسيها. واندفع الكريديون يحتلون السهل الواسع المحيط بالمدينة حتى ملأه، وحتى لا ترى إلا خياماً تصل أقصى الشمال بأقصى الجنوب، وتربط أول الشرق بآخر الغرب. . .
جنود وضوضاء. . . وصهيل ورغاه. . . وعسكر كالجراد المنتشر لا تبلغ آخره عين، ولا يذهب إلى آخره خيال!
وصابر مينوس يحاصر المدينة أياما طوالا حتى قلت الأقوات داخلها، وأخذ أهلها يشكون