ولم يكن أمام الأثينيين إلا إحدى اثنتين: إما الموت داخل الأسوار صبراً وهذا ما لن يكون، وإما الخروج للقاء المحاصرين ومناضلتهم، وذلك مالا طاقة لهم به، ولا قدرة لهم عليه
أمران أحلاهما مر، وأخفهما فيه الويل، وعقباه الدمار والبوار! وأجمع بعض عقلائهم على أن يذهبوا إلى ملكهم يرجونه أن يذهب إلى الهيكل فيقدم القرابين إلى الآلهة حتى تأتيهم نبوءة السماء ووحي الأولمب بما ينبغي أن يكون. . . ولكن الملك أبي واستكبر، ثم قبل بعد إلحاح أعيان القوم أن ينوب عنه في هذا الشأن أحدهم
وقصد قائم مقام الملك إلى هيكل فينوس فتقرب بالضحايا وعقر القرابين، وقبل الأرض بين يدي تمثالها المنتصب فوق المذبح، ولبث غير قليل. . .
ثم انبعثت الصوت القدسي الضعيف من خلوة الكاهن يقول:
(ليفعل الأثينيون ما يأمرهم به مينوس ملك كريت. . . الويل لهم إن حاربوا؟!)
وهلعت الأفئدة. . . وطاشت الأحلام!!
وتلقاها الملك كما يتلقى الإنسان حكما عليه بالإعدام. . . ولكن ما العمل؟ ولا حيلة لبني الموتى في دفع أحكام القضاء؟ وأرسل إيجوس إلى ملك كريد يعرض عليه الصلح، ويسأله عن شروطه. . . فقال مينوس لرسل الملك:(قولوا لإيجوس، الآن عرفت كيف طعنت فؤاد مينوس تلك الطعنة النجلاء بقتلك ابنه ولي عهده. . . ولقد جئناك نطلب ثمن هذه الفعلة الشنعاء، ولن تكفينا أثينا كلها ثمناً لها! أما وقد ذللت، فحسبنا أن نرجع بسبعة من خير شبابكم وأجمل فتيانكم، وسبع من أبكار الأثينيات وأبهى حسانها، ليكون الجميع غذاء حلالاً للمينوطور، وعلى أن ترسلوا كل عام في مثل هذا الزمن أربعة عشر آخرين من خيرة شباب أثينا وأكرمهم حسباً
إن رضي الملك وسلم فدية هذا العام رحلنا عنكم إلى العام المقبل. . .)
وسكت الملك، وتحدرت من عينيه دموع غلاظ، وثار في قلبه هم قديم. . .
طلب مرعب ينم عن قسوة وغلظة! غير أن قتل ابن مينوس غيلة، في رحاب أثينا، وفي دجنة الليل، وبتدبير الملك، كل ذلك يبرر الغرامة الوحشية التي فرضها ملك كريت!