أريد إقبالهم عليه فلا بد من إنتاج حديث وافر يغذي كل مشاعر الحياة كما يغذي العقول، وليس من الحق أن ندعو السواد الأعظم إلى الأدب العربي قبل أن نستكمله أو على الأقل نوجد فيه ما يسد رمقهم، وأن أردنا الأنصاف فواجب أن ندعو الدعوتين: دعوة الأدباء بالعربية إلى أن ينتجوا، ودعوة القراء إلى أن يقرأوا.
وينجح الأدباء إذا اقتصروا على أن يحتذوا حذو القدماء شكلا وموضوعا دون أن يمسوا حياتهم الواقعية وبيئتهم الاجتماعية ومشاعرهم النفسية؛ فالأدب متغير، خاضع لقوانين النشوء والأرتقاء، فإذا تقيد أدباؤنا بالموضوعات التي عالجها القدماء وبالأشكال التي صب فيها الأدب القديم، عد أدبهم قديماً لا حديثاً، ولم يصلح علاجاً لما نصف من أمراض.
مثال ذلك: أنا إذا وضعنا أيدينا على مختارات البارودي، وهو كتاب ضخم في أربعة أجزاء أختار فيها الثلاثين شاعراً من شعراء العصر العباسي، وجدناه قد أختار نحو أربعين ألف بيت، منها أكثر من أربعة وعشرين ألفاً في المديح، وإذا أضفت الهجاء والرثاء إلى المديح وجدت جميع ذلك يقرب من ثلاثين ألفاً، والربع الباقي في الأدب والصفات والزهد والنسيب!
فترى من هذا إفراط الأدباء القدماء في وصف العواطف الشخصية من كرم ورثاء وهجاء، وتقصيره في أبواب كثيرة أهمها وصف المناظر الطبيعية، وتحليل الانفعالات النفسية، وغير ذلك من ضروب الأدب.
وهذا التقصير وقع في الأدب الأوربي القديم كما وقع في الأدب العربي، فلو قرأنا شعر هوميروس وفرجيل ودانتي وجدنا فيه قليلاً من وصف جمال الطبيعة من جبال وبحار ونجوم، على حين، الشعر الأوربي الحديث قد مليء بهذا الضرب من القول وأبدع الشعراء فيه إبداعا لا حد له فأفاضوا في القول في السماء ونجومها، والأشجار وازدهارها وذبولها، والبحار والصحراء وغيرها، ووجدوا في ذلك كله كنوزاً استمدوا منها شعرهم، وكان تقصير القدماء وإجادة المحدثين في ذلك قانوناً طبيعياً لأن الإعجاب بجمال الطبيعة نتيجة رقي كبير في الذوق، فإذا قصر أدباؤنا المحدثون في هذا كما هو حادث الآن وتابعوا الأقدمين في المديح والهجاء والغزل، فقط، فقد ظل نقص الأدب العربي على ما هو عليه.
كذلك يعيش الشرقي عيشة خاصة غير التي كان يعيشها آباؤه، سفرت المرأة بعد حجابها،