إلى ذكرها. وما أكثر ما قلت لنفسي:(ما هذا يا مازني؟ إني أرى حبك قد طال ساعاتٍ، وهذا شيء يمل ويسئم، وليس معقول أن تحب غائباً كأنه حاضر معك! نعم معقول أن تحبه ساعة يكون إلى جانبك، ولكن بعد أن يمضي عنك أو تمضي أنت عنه، لا يقبل منك أن يظل قلبك يتلفت إليه ويشغل به عن سواه)
فتقول نفسي:(أي والله، صحيح)
وأستلقي على سريري وأغمض عيني، وأنام، ثم أقوم وقد نسيت حتى اسم من أحببت. لهذا قلت لأصحابي (يا رفاق! ما قولكم؟)
قالوا:(ماذا؟)
قلت:(ننزل من هذا القطار ونذهب نعدو إلى جانبه)
فضحكوا ولم يسمعوا مني، ولكني كنت واثقاً أني أستطيع أن اسبقه على الرغم من عرجي؛ ونزلنا في (المرج) فلم نجد شجرة نجلس في ظلها، ولا جداراً يقينا وقدة الشمس، ولم نلمح في الأفق البعيد شيئاً يغري بالأمل، فقلت: أرجع إلى صحرائي فهي بي ارفق من هذا المرج فإن لي فيها على الأقل بيتاً آوى إليه، ولذي لا يرضى بالخوخ يرضى بشرابه
وإنا لكذلك وإذا بضابط يقبل علينا ويحي واحداً منا، ويسأله عما جاء به، فيخبره أنه جاء معنا، ليشم النسيم، ولكنا لا نجد مكاناً ظليلاً نميل اليعه، فيقول الضابط الكريم:(تعالوا عندي)، فنسأله (عندك أين؟ فأنا لا نرى بيتا ولا كوخاً) فيقول: (في مركز البوليس، فإني ملاحظ النقطة!) فينظر بعضنا إلى بعض وأقول: (نشم النسيم في مركز البوليس! هذا جديد!) وترددنا، ولكنه ضابط بوليس، وتحت أمره قوة كافية لإرغامنا، فقلنا:(لا بأس! هي تجربة جديدة فلننظر ماذا عسى أن تفيدنا من المتعة؟ وما يدرينا؟ لعل مركز البوليس خير مكان نقضي فيه يومنا! وما نظن أن أحداً جرب ذلك من قبل، فهي ميزة ننفرد بها ونستبد)
ودخلنا المركز، فدبت أقدام الجنود، وارتفعت أيديهم إلى رؤوسهم بالتحية، وتحركت عيونهم دون وجوههم، وجعلت تنظر إلينا وتتبعنا ونحن داخلون ومعنا السلة فيها الطعام والشراب، وصعدنا إلى غرفة فيها مائدة من خشب غير منجور، وحولها كراسي ثقيلة، وأنا نحيف هزيل، يقول أحد الأطباء في وصف جسمي إنه شبكة من الأعصاب تحملها طائفة من العظام، وتكسو هذه وتلك طبقة رقيقة من الجلد، ولا لحم لي ولا شحم فأحتمل الجلوس على