للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الكراسي الناشفة، ولكن ما حيلتي؟

وجاءونا بأطباق وملاعق وسكاكين وأشواك وفوط، فسألت الضابط:

(من أين لكم هذا!)

قال: (ماذا تظن؟)

قلت: (أظنكم أخذتموها من اللصوص الذين وقعوا في قبضتكم)

قال: (أو لعلنا سرقناها؟ هيه؟)

قلت: (كل شيء جائز في هذه الدنيا! ومتى صار جائزاً أن نشم النسيم في مركز البوليس، فكل شيء بعد ذلك هين ومقبول ومعقول)

وكان الجنود كلما دخلوا علينا بصحن أو كوب أو فنجان، يدبون بأحذيتهم الضخمة الثقيلة، ويحيون، ويضعون ما في أيديهم الأخرى، ثم يعودون إلى التحية والدب بالأرجل، ويخرجون، وتكرر ذلك منهم ألف مرة، فقلت للضابط:

(ألا تعفيهم من هذا التكليف؟)

قال: (إنهم جنود وقد ألفوا ذلك فليس في وسعهم إلا أن يفعلوه)

قلت: (لو لم تكن معنا لما تكلفوه)

قال: (ولكني معكم)

قلت: (إذن فأعفنا نحن، فإنه إزعاج)

فسال: (كيف أصنع؟)

قلت: (والله لا أدري! هل تستطيع أن تختبئ تحت المائدة حين يدخل منهم أحد؟)

وأكلنا هنيئاً، وشربنا مريئاً، ولم تمنعنا هذه التحيات والدبات أن نضحك ونمزح، ولم يحل شعورنا بوجودنا في (مركز البوليس) دون التبسط والمرح، واحتجت بعد ذلك أن أنام دقائق، والنوم من عاداتي بعد الغداء، فإذا حرمته حرمت الراحة، وتفتر جسمي، وغاض معين نشاطي، وساء خلقي، وانقلبت مخلوقاً شرساً مشاكساً، وشريراً مجرماً، تقذف عيناه الشرر، ومن أجل هذا تتخذني زوجتي هولة تخوف بي الأطفال والخدم. فإذا رأت أني لم أنم بعد الظهر، أقبلت تقول: (تعال!)

فأقول: (إلى أين؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>