فتقول: (تعال خوف الأطفال، فإنهم لا يريدون أن يسكنوا!)
فأقول: (يا سيدتي، إن التخويف شر أساليب التربية)
فتقول: (دع هذه الفلسفة وقم، فقد كاد رأسي يطير من ضجتهم، ثم إن عند الجيران أطفالاً كثاراً يصيحون، فأخرج لهم وجهك من النافذة يخرسوا، وفي الشارع رجال يتشاجرون فاذهب إليهم واطردهم إلى شارع آخر)
فأهز رأسي وأقول: (تالله ما اشتهي إلا أن أخوفك أنت!) ثم أنهض آسفاً، وأصدع بما أمرت، فيهدأ البيت ويسكن الشارع، ويخفت كل صوت حتى صوت الترام، فينشرح صدرها وتقرعينها، وتتنهد مسرورة، وتقول: (ليت أنك لا تنام بعد الظهر أبداً!)
فأسألها: (أتكرهين لي الراحة؟)
فتسألني مغالطة: (أتكره أي أنت الراحة؟)
فلا أجد جواباً حسناً، وأسألها: (هل أستطيع أن أنام الآن؟)
فتقول: (وإذا قامت ضجة جديدة؟)
فأقول: (اطمئني. . . وفي وسعك دائماً أن توقظيني لهم) فتذهب تصف وجهي معجبة بما يكون مرتسماً عليه من مظاهر الإفزاع وبواعث الرعب، مباهية به وجوه القتلة والسفاحين وقطاع الطريق؛ ولكن هذا أستطراد، فلنرجع إلى ما كنا فيه من شم النسيم
كان لا بد أن أنام، فنمت على كرسيين، حططت نفسي على واحد، ومددت ساقي على الآخر، ولم يكن هذا فراشاً وثيراً بالمعنى الصحيح، ولكن النسيم كان عليلاً في مركز البوليس، فأغفيت دقائق زعمها أصحابي ثلاثين، وقالت لي عظامي المهيضة إنها كانت رقدة أهل الكهف
ولم تكن لي يومئذ زوجة، فلما عدت إلى البيت لاحظت أمي أشكو وجعاً في ظهري وتكسيراً في عظامي، فسألتني: (أين كنت؟)
قلت: (في مركز البوليس بالمرج)
فصاحت بي: (مركز البوليس؟ لماذا؟ ماذا صنعت؟)
قلت: (شممت النسيم!)
قالت: (أكنت تشم النسيم أم تضرب علقة؟)