للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما زرته في السنة الماضية مع صديقي الأستاذ (الهراوي) في داره بمصر الجديدة ظننت أنه يمكنني محادثته بشأن كتاكيته، فلم أصادف من صحته ونشاطه ما يساعد على الكلام في هذا الموضوع، وإنما اقتصر حديثنا على وصف المسرة بتلاقينا بعد نحو ثلاثين سنة من تنائينا

والكاظمي ينظم الشعر على طريقة شعراء عرب الجزيرة من حيث متانة الأسلوب وجزالة الألفاظ، وربما امتاز عن كثيرين منهم يخلو شعره من المعاظلة والتعقيد والأغراب

وكما أنه تفوق على شعراء زمانه بهذه الطريقة الفحلة نراه امتاز عنهم أيضاً في أنه يرتجل الشعر ارتجالاً غاية في السلاسة لا جمجمة فيه ولا تلكؤ. وإذا إرتجله وقع شعره المرتجل في قالب طريقته الشعرية المطبوعة، أي إنه مهما طال نفسه في الارتجال جاء شعره المرتجل موسوماً بطابعه الشخصي، متقاوداً مستوى المتون، لا تشاخس فيه ولا تفاوت؛ لا يخذل آخره أوله، ولا ينوء عجزه بكلكله، وهذا موضع الغرابة في ارتجاله. وربما لا يجاريه في هذه المزية إلا القليل من الشعراء الأقدمين بله المتأخرين من شعراء هذه الأيام

ومن ظريف أخبار بداهته ما اتفق لي معه: ذلك أنه زارني يوماً في إدارة المؤيد، فابتدره زميلي الصحافي المشهور سليم سركيس رحمه الله بالعتب الشديد عليه لإغفاله تهنئته بزيه البلدي الجديد وكان من خبر هذا الزي أن (سليماً) تضايق من اللبوس الإفرنجي المحزق ولا سيما ياقة القميص المكوي، وربطة الرقبة (الكرافات) وشطاطها أو بكلتها التي كانت تمنعه الحركة وإدارة رأسه يمنة ويسرة وهو يحرر ويترجم والفصل فصل الصيف والحر حر القاهرة. فما كان منه إلا أن أعلن هجر ذلك الزي والزراية عليه، واصطنع لنفسه الزي البلدي: قفطاناً مشدود الوسط بالزنار، ويحيط أعلى القفطان بعنقه من دون الياقة ولا عرى ولا أزرار؛ وقد سدل فوق القفطان جبةً بلديةً مخصرة الوسط، فضفاضة الأذيال، سهلة الطي، سريعة اللي. وأعلن خبره هذا في الصحف المحلية مشفوعاً يرسمه العربي الأصيل، وزيه البلدي الجميل؛ وأخذ إخوانه المحررون - وهم كثر - يصفون خبره في صحفهم، والشعراء منهم يهنئونه بقصائدهم

وكان صديقنا (سليم) تعجبه طريقة الصحافي الأمريكي الكبير (برزباين) الذي يتخذ في موضوعات كتابته من الحبة قبة، فكيف لا يتخذ هو موضوعاً يلذ المصريين من القفطان

<<  <  ج:
ص:  >  >>