المستعمرات لا يتعلمون العربية، كما أن هناك هوة تزداد تدريجياً بين الفرنسيين وأهل البلاد. ولقد كان هؤلاء مخلصين حتى عام ١٩٣٠ وخصوصاً المتعلمون الجزائريون وعددهم ٢٠ ألفاً. ويرى أكفأ الخبراء أن عدم السماح لهم بالتجنس بالجنسية الفرنسية كان خطأ بيناً. ولكن هل هذا صحيح؟ إننا لا نستطيع أن نعطي رأياً قاطعاً. على أن الواقع أن الاحتفالات بمرور مائة عام على احتلال الجزائر لم تحمل لأهل البلاد إلا خطباً فارغة. ومنذ أربعة أعوام لم يتحقق إصلاح واحد من الإصلاحات التي طلباها أو وعد بها أهل البلاد. ولذا ابتدأت المعارضة وشجعتها الأزمة الاقتصادية. فحمل (الوفد)، وهو الحزب الوطني، إلى باريس شكواه من الحكومة العامة، وأحيت جمعية العلماء المسلمين الثقافة العربية بين جماهير الشعب. والنتيجة أن سكان المستعمرات يزداد قلقهم تدريجياً، وأهل البلاد يتفاقم تذمرهم، والحكومة المركزية لم تصل إلى تسوية الحالة
في تونس:
إن معلومات الصحافة عن الاضطرابات التي قامت في سبتمبر عام ١٩٣٤ سيئة. وقد شكت مجلة (أفريقيا الفرنسية) من (العقبات التي تصادفها الأخبار الواردة من تونس) في النصف الأول من شهر سبتمبر. وفي أوائل يونيو أكد البيان الرسمي للجنة المستعمرات في مجلس النواب أن تونس (تسير في الطريق السوي) وبعد ذلك بشهر عرف أن الجرائد (الخطرة) قد عطلت، وأن تذمراً هائلا يسود الموظفين والعمال والفلاحين. وإن السكان الوطنين محرضون على الامتناع عن دفع الضريبة. ومن الجلي أن المتطرفين من الدستوريين الحديثين يريدون بذلك التغلب على الأحرار الدستوريين. وفي ٣ سبتمبر اتخذ المقيم العام عقوبات صارمة. فتكاثرت الحوادث وقامت المظاهرات الصاخبة أمام دار المقيم، وأغلقت الحوانيت وحدثت الاضطرابات، وهوجمت الفرق الحربية وشبت الحرائق. وحدث في موكنين حادث خطير نسبياً حيث هاجم الثائرون عساكر البوليس، فعطلت الجرائد المتطرفة
ولا يكفي أن تلقى تبعة اضطرابات شمال أفريقيا على الدعاية الشيوعية. فالواقع أن التذمر العام له أسباب محلية أكثر عمقاً، هي أسباب سياسية واقتصادية. لكن الواضح أن اضطراب البلاد الاقتصادي والفكري قد استغلته الدعايات الخارجية من الشيوعية وغيرها.