وفر الحسان مذعورات. . . . إلا برسفونيه، فقد قبض بلوتو على ذراعها الرخصة، وجذبها إليه في العربة، وذهب يسابق الربح ويلاحق البرق، حتى اعترضه ماء نافورة أخذ عليه سبيله. وسرعان ما فار الماء كالتنور، وصار يغلي كالحميم الآن، حتى خشى بلوتو الجبار أن يعبره، وأوجس، إن هو انثنى يبحث عن طريق آخر، أن يضيع الوقت، وتفلت الفرصة، وتروح ديميتير تفتقد ابنتها حتى تستنقذها من يديه. فتناول صولجانه الهائل، وضرب به الأرض فرجفت وزلزلت، وانشقت عن أخدود كبير بعيد الغور. . .
وكانت برسفونيه قد أفيقت من هلعها، فلما رأت النافورة تغلي وتصطخب، أدركت أن إحدى عرائس الماء قد عرفت من أمرها كل شئ، وأنها قد تستطيع أن تؤدي لها خدمة في ذلك المأزق الحرج، فحلت (برسفونيه) زنارها الحريري الأبيض وألقت به عند ضفاف النافورة عسى أن يصل يوماً إلى أمها عن طريق هذه العروس، فتعلم أين هي، وماذا تم من أمرها
وانطلق بلوتو في ظلام الأخدود حتى وصل منه إلى مملكته. . هيدز! فاستوى على عرشه مثلوج الصدر خفاق الفؤاد!
ثم طفق يترضى برسفونيه بشتى الوسائل، وهي ما تزداد إلا شماساً ونفوراً. . . طاف بها أرجاء مملكته الشاسعة، وأراها شطئان ستيكس وأشيرون وليث، وسائر أنهار الجحيم؛ ثم خاض بها وادي الأفاعي والعقارب، ومدينة الزنابير واليعاسيب، والدرك الأسفل من النار حيث يأوي المنافقون والكذابون، وحديقة الخونة واللصوص ذات الأشجار من لظى ولهب. . . ولم يفقه المغفل أنه كان يضاعف فزعها أضاعفاً مضاعفة كلما مر بها على منظر جديد من ملكه البغي!!
وعادت ديميتير في المساء، ولكن برسفونيه لم تهرع للقائها كعادتها؛ فحسبتها نائمة. . . بيد أنها لم تجدها في مخدعها، فافتقدتها في جميع الغرفات، ولكن عبثاً حاولت أن تقف لها على أثر! فاضطربت نفسها بالوساس، وخرجت تبحث عنها في الحديقة، فلم تجدها كذلك!
ريعت الأم وارتعدت فرائضها، وانطلقت تعدو وهي تصيح كالمجنونة:
(برسفونيه! برسفونيه! أين أنت يا برسفونيه!) ولكن لسان الصدى - إيخو - وحده الذي كان يردد نداءها. . . . .