على لجنة التأليف والترجمة والنشر فأخذت الكتاب الجديد (قصة الفلسفة اليونانية): ولما أخذت مكاني في قطار حلوان فتحت الكتاب لأقراه مقدمته وفهرسه، ثم أطبقه إلى أن تتاح فرصة لقراءته. فلما قرأت المقدمة شاقني ما بعدها، وقادني حسن البيان، وسلاسة العبارة، وسهولة الشرح من صفحة إلى أخرى حتى عبرت من الكتاب صفحات كثيرة، فآثرت أن أتمة، وبدا لي أن اكتب عنه إذا أتمته، ناقداً حاسباً ما للكتاب وما عليه. فلما انتهت بي القراءة إلى فصل سقراط قولت: هنا فاصلة يحسن الوقوف عندها فقد كان سقراط فصلا في تاريخ الفلسفة تغيرت به سيرتها، فوقفت القراءة لأكتب عما قرأت، وأجعل بقية الكتاب موضوع مقال آخر. وهكذا يأبى الأستاّذ احمد الأمين إلا أن يعمل ويشغلنا بعمله عن أعمالنا.
- ٣ -
أراد المصنفان أن يعرضا على القارئ العربي الذي لا علم له بالفلسفة اليونانية قصة هذه الفلسفة في نشأتها وتطورها في إيجاز وإيضاح، وتسهيل وتيسير، وبعد عن التعمق والتفصيل، والتقصي في البحث. وقد تسنى لهمه ما أرادا فجاء الكتاب كما ابتغيا (قصة) يسيرة شائقة، كفيله بتقريب الفلسفة اليونانية إلى المبتدئين. ولا يحتاج الناقد إلى تبيين هذا، فكل صفحة في الكتاب شاهدة به. يبدأ المصنفان كل فصل ببيان ما يريدان، حتى إذا بلغا ما أرادا أجملا ما قد ما، فإذا بدأ الفصل التالي ذكرا القارئ بما قدماه. حتى إذا جاوزا عهدا من عهود الفلسفة إلى عهد آخر وفقا بالقارئ يلفتانه إلى ما أوضحا من قبل ليتعرف فرق ما بينه وبين ما يستقبله في العهد التالي، وهلم جرا وقد قرأت ما قرأت من الكتاب مثنيا على المصنفين مسرورا راضيا إلا هنات يسيرة منها ما يلي:
١ـ قال المصنفان إن من الفروق بين العلم والفلسفة أن كل علم يبحث في ظواهر محدودة من العالم، وأن الفلسفة تحاول النفاذ إلى بواطن الأشياء كلها واستكناه حقائقها. وقد أوضحا هذا إيضاحا حسنا وساقا الأمثلة، ولكن فرطت في أثناء ذلك عبارات تثبث أن العلوم تقنع بالظن وأن الفلسفة لا تقف دون اليقين. فقالا في صفحة ١٠:(ولكن هذا الذي أقنع العلم لن يرضى الفلسفة. هي لا تطمئن إلى هذا الركون والركود، ولا تستقر إلا إذا وجدت لكل ظاهرة ما يؤيدها تأييداً تاماً.) وقالا في صفحه ١٣: (وهي (الفلسفة) لا تجيز لنفسها أن