للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستشهادات، مما يتعذر نقله إلى العربية. إلا أني ألخص من تعقيبه قوله: (عند ما نذكر أن الرجل الذي كتب هذا، مات عليه، تأملات من كلُّ صنفٍ تتفجر من كلُّ سطر في هذه الرسالة الطويلة. أية رواية، أي تاريخ، أية سيرة هي هذه الرسالة!). . . (ليست هذه سيكولوجية تدرس على السمع أو على الجثة، ولكنها تدرس في الأعصاب والأنسجة والعروق، في اللحم الحي ينز دماً، في اللحم الذي يعول. أنت ترى الجرح وتسمع الصيحة

(كتابة خطاب كهذا في تفطُّر وإهمال وجمال، دون بؤس كبؤس أمبير جلوا، كتابة خطاب كهذا بمجرد مجهود الإبداع الأدبي تقتضي العبقرية. أمبير جلوا متألماً يوازي بايرون. شيئان يجعلان الإنسان شاعراً: العبقرية أو الغرام، وهذا الرجل الذي كان نثره باهتاً وشعره فاتراً أصبح في خطابه كاتباً يستدعى الإعجاب. عندما ينسى أن يطمع في أن يكون شاعراً وناثراً، ينقلب شاعراً عظيماً وناثراً عظيماً. وسيبقى هذا الخطاب، فقد اشتمل على خليط قد يكون أدهش من كلّ ما أنتجه إلى الآن دماغ بشريّ في بابه، وبتأثير تضاعف الألم الحسي والألم الأدبيّ، والذين عرفوا جالوا يرون تشريحاً رهيباً، تشريح نفس، في الخطاب المتوتر، المضطرب، الطويل، حيث الألم يرشح قطرةً قطرةً مدى أسابيع وشهور، حيث الرجل الذي يجري دمهُ ينظرُ إلى دمهِ جارياً، حيث الرجلُ الذي يصبح يصغي إلى صوته صائحاً، وحيث في كلُّ كلمة دمعة) (لا حوادث في الحياة، ولكن فيها أفكاراً. اروِ الأفكار تسرد حياة الرجل. بيد أن حادثاً عظيماً يهيمن على هذه الحكاية المكدرة؛ وهو أن مفكراً مات من فرط البؤس! هذا ما فعلته باريس، مدينة الذكاء، بفتىً ذكىّ. . .)

(. . . أمبير جالوا، ليس فقط أمبير جلوا، بل هو في نظرنا يرمز إلى طائفة معدودة من شباب اليوم الكريم. في داخل هذا الشباب عبقرية غير مفهومة تلتهمه، وفي الخارج مجتمع ساءت أوضاعه، يخنق الشباب والعبقرية. فلا منفذ للعبقرية المحاصرة في الدماغ، ولا منفذ للإنسان المحاصر في المجتمع)

(الذين يفكرون ويتولون الحكم لا يهتمون في أيامنا قدر الضرورة بحظ هذه الشبيبة الزاخرة بعديد الغرائز، المتهافتة بحرارة ذكية، وبصبر واحتمال على جميع اتجاهات الفن. جمهور هذه العقول الفتية المختمرة في الظل، يحتاج إلى الأبواب المفتوحة، وإلى الهواء والنور والعمل والمسافة والأفق. ما أكثر ما يمكن عمله بهذا الجيش من الفطن! كم من قناة يمكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>