وكان يسود ذلك المجتمع الروماني الرفيع يومئذ نوع من الفساد الشامل، وتغلب فيه حياة الفجور والمرح؛ وما قولك بمجتمع يقدم فيه سيده وزعيمه الروحي - البابا - أسوأ المثل الأخلاقية، فيصطفى الخليلات جهاراً، وينتزع الزوجات من أزواجهن؛ ويقتني فيه شيوخ الدين من كرادلة وأساقفة الخليلات جهاراً، وتنتقل فيه الزوجات الشرعيات، زوجات الكبراء والأمراء بين أحضان العشاق من مختلف الطبقات، ويغمره ظمأ التهتك والخلاعة، ويغفل في حفلاته وفي مرحه ومجونه كلُّ مظاهر الحشمة والحياء؟ هكذا يصف لنا بوركات مجتمع رومة في عصر آل بورجيا. وقد كان بوركات يومئذ مدير التشريفات البابوية، وكان شاهد عيان لكثير من الحوادث والمظاهر ولظروف التي امتاز بها العصر؛ وقد ترك لنا عن حوادث عصره ومجتمع عصره مذكرات نفسية سنعود إليها من آن لآخر.
كانت لوكريسيا بورجيا من آلهة هذا المجتمع؛ وكان يثور حولها من الريب والظنون ما يثور عادة حول (آلهة) للجمال والحب. هل كانت هذه الفتاة الشقراء الفاتنة التي لم تجاوز السابعة عشرة من عمرها كما تصورها الرواية المعاصرة بغياً سافلة تتقلب بين أذرع عشاق لا حصر لهم؛ بل تتقلب بين ذراعي أبيها - البابا - وبين أذرع إخوتها؟ أم ظلمتها الرواية وبالغت في اتهامها اعتماداً على ظواهر خادعة؟ هذا ما سنحاول أن نناقشه في البحث.